للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك ذكر في باب رهن الحيوان منه وقال: ونقصان السعر وزيادته لا يغير حكم الرَّهْن، والاعتبار لقيمته يوم رهن؛ لأنَّ تغير السعر لا يؤثر في العين، إنَّما هو فتور في رغائب (١) الناس فيه على ما يجيء في الكتاب [مشروحا] (٢) (٣).

(وَإِذَا أَعَارَ المُرْتَهِنُ الرَّهْنَ للرَّاهِنِ (٤) وفي استعمال لفظ الإعارة ههنا تسامح؛ لأنَّ الإعارة: تمليك المنافع بغير عوض (٥).

فتمليك المنافع إنما يتحقق ممَّن يملكها بنفسه (٦)، ولم يكن المرتهن مالكًا لمنافع الرَّهن (٧) فكيف يملك تمليكها؟!

ولكنْ لمَّا عُومِل ههنا معاملة الإعارة من عدم الضَّمان وتَمَكُّنِ استرداد المعير، أطلق اسم الإعارة (لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ العَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ (٨)؛ لأنَّ الضَّمان لو كان باقياً إنَّما يكون باعتبار بقاء يد (٩) المرْتَهِنِ، وبقاء يد المرْتَهِنِ إنَّما يتحقق:

أن لو كانت يدُ الرَّاهِنِ يدَ المرْتَهِنِ، وهذا غير ممكن؛ لأنَّ قبض المرْتَهِنِ قبض مضمون، وقبضه (١٠) الرَّاهن غير مضمون، فبين كونه مضمونًا وغير مضمون منافاة؛ فلا ينوب غير المضمون عن المضمون (١١).

فإن قلت: سلمنا أنَّ بين اليدين منافاة فَلِمَ رجَّح جانب العارية على جانب الرَّهن حتى خرج من الضَّمان، والقياس يقتضي انعكاسه وهو أن يرجح جانب الرَّاهن (١٢) لوجهين:

أحدهما: أنَّ الرهن عقد لازم والعارية لا (١٣).

والثاني: أنَّ القبض المضمون أقوى من غير المضمون (١٤).

قلت: ما رجَّحْنا جانب العَارِيَة على جانب الرَّهْن، بل رجحنا جانب الرهن لذينك الوجهين، ولكنَّا أزلنا الضَّمان عنه، وإنَّما فعلنا هكذا؛ لأن فيه عملاً بالدليلين، وفي الذي قلته يُترك أحدهما؛ وذلك لأنَّ في العمل بالعاريَّة بهذا الوجه الذي قلنا: يبقى عقد الرَّهن كما كان مع كونه غير مضمون، حتَّى كان للمرتهن أن يسترده إلى يده وأثبتنا حكم العاريَّة لئلا يلغو ما باشراه، فإنهما باشرا الإعارة.


(١) وفي (ب) (رغبات).
(٢) زيادة في (ب).
(٣) يُنْظَر المَبْسُوط؛ للسرخسي (٢١/ ١٠٥).
(٤) بداية المبتدي (٢٣٥).
(٥) يُنْظَر: التعريفات؛ للجرجاني (٤٧)، التعاريف (٧٣)، الكليات (٦٥٢)، دستور العلماء (١/ ٩٧).
(٦) وفي (ب) (من نفسه).
(٧) وفي (ب) (المرتهَن).
(٨) الهداية شرح البداية (٤/ ١٤٨).
(٩) وفي (ب) (عائد).
(١٠) وفي (ب) (وقبض)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ٦٤)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٧).
(١٢) وفي (ب) (الرهن)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق، مع حاشية الشلبي (٥/ ٨٥)، العناية شرح الهداية (١٥/ ٦٣)، درر الحكام (٢/ ٢٦٨).
(١٤) يُنْظَر: درر الحكام (٢/ ٧١).