للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وَالقَوَدُ) وهو القصاص معطوف على قوله: (المَأثَمُ (١) (لِقَولِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (٢) (٣) وهذه الآية وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (٤) ليس فيهما ذكر العمد في إيجاب القصاص، ولو نظرنا إلى ظاهر الآية لوجب القول بالقصاص أينما وجد القتل بأي وجه وجد، لكن السنة المشهورة وهي قوله -عليه السلام-: (العَمْدُ قَوَدٌ (٥) (٦)

تدل على أن حكم القصاص مخصوص (٧) بالقتل العمد؛ لأن خبر الواحد (٨) لما صلح مبيِّنًا لمجمل الكتاب كما في بيان قدر مسح الرأس فأولى أن تصلح السنة المشهورة التي تلقتها الأمة بالقبول مبنية (٩) لما سكت عنه الكتاب (١٠).

ولأن في الكتاب أيضاً دلالة على أن المراد من القصاص المذكور في القتل [هو القتل] (١١) العمد؛ لأنه أوجب الدية في القتل الخطأ على ما قال الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (١٢)، ولا يصلح أن يكون القتل العمد موجباً دية وقصاصاً، فلابد أن يحمل كل واحد منهما على حاله، فلما اختص ما يوجب الدية بالقتل الخطأ في النص القطعي كان ما يوجب القصاص ضد الخطأ لا محالة وهو العمد، وما سقط منه القصاص سقط لشبهة في العمدية وهو شبه العمد وغيره (لَا شَرْعَ لَهَا دُوْنَ ذَلِكَ (١٣) أي: دون العمدية.


(١) بداية المبتدي (٢٣٩).
(٢) سورة البقرة من الآية (١٧٨).
(٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).
(٤) سورة المائدة من الآية (٤٥).
(٥) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).
(٦) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٤٣٦)، في (كتاب الديات)، في (باب من قال العمد قود)، برقم (٢٧٧٦٦)، ورواه أبو داود (٤/ ١٨٣)، في (كتاب الديات)، في (باب من قُتل في عمياء بين قوم)، برقم (٤٥٣٩)، بلفظ «ومن قتل عمدا فهو قود»، ورواه النسائي (٨/ ٤٠)، في (كتاب القسامة)، في (باب من قتل بحجر أو سوط)، برقم (٤٧٩٠)، ورواه ابن ماجه (٢/ ٨٨٠)، في (كتاب الديات)، في (باب من حال بين ولي المقتول وبين القود أو الدية)، برقم (٢٦٣٥). قال في خلاصة البدر المنير (٢/ ٢٦٥): حديث «العمد قود» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية ابن عباس بإسناد صحيح.
(٧) كذا في (ب)، وهي مثبتة في هامش (أ)
(٨) "خبر الواحد" لغة: هو ما يرويه شخص واحد.
واصطلاحا: هو ما لم يجمع شروط المتواتر.
يُنْظَر: نزهة النظر (٥٥)، شرح نخبة الفكر؛ للقاري (٢٠٩)، التعاريف (٣٠٦)، اليواقيت والدرر (٢٩٣).
(٩) وفي (ب) (مبينة)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٠) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٥/ ١١٨)، البناية شرح الهداية (١٣/ ٦٥)، نتائج الأفكار (١٠/ ٢٢٣).
(١١) زيادة في (ب).
(١٢) سورة النساء من الآية (٩٢).
(١٣) الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٨).