للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا ذلك: لأنَّ القصاص يجب للورثة على سبيل الخلافة عن المورث فإنَّ وجوبه بعد موت المقتول وقد خرج المقتول من أن يكون أهلاً لوجوب الحقّ له بعد موته إلا أنَّ ما يحصل منه مقصوده من قضاء الدَّين وتنفيذ الوصية يجعل كالواجب [له حكما] (١) وهو الدية، فأمَّا ما لا يحصل به مقصود المقتول يجعل واجباً للوارث الذي هو قائم مقامه والمقصود بالقود تشفي (٢) الغيظ أو دفع سبب الهلاك عن نفسه وذلك يحصل للوارث، فعرفنا أنَّه يجب له ولكن على سبيل الخلافة؛ لأنَّ السَّبب انعقد على حق الميت وقد خرج عند ثبوت الحكم من أن يكون أهلاً للوجوب (٣) له فيجب للمولى (٤) القائم مقامه كما ثبت (٥) الملك للمولى في كسب العبد ابتداء وعلى (٦) سبيل الخلافة عن العبد.

ولهذا قلنا: إذ (٧) انقلب مالاً يثبت فيه حق الميت؛ لأنَّ قضاء حوائجه يحصل به وهو بمنزلة الموصي (٨) له بالثلث لا حقَّ له في القصاص وإذا انقلب مالاً يثبت حقه فيه وأيَّد ما قلنا قوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} (٩) بيَّن أنَّ القصاص للولي القائم مقام المقتول، إذا ثبت هذا فنقول القصاص لا يحتمل التجزئ وقد ثبت (١٠) [بسبب] (١١) لا يحتمل التجزئ فأما أن يتكامل في حق كل واحد منهم أو ينعدم؛ لأنَّه لا يمكن إثباته متجزئاً ولم ينعدم بالإتفاق فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهم، لا أنه تعدد القصاص في المحل ولكن بطريق أنه يجعل كل واحد منهم كأنه ليس معه غيره بمنزلة الأولياء في النكاح ينفرد كل واحد منهم بالتَّزويج كأنَّه ليس معبر (١٢) غيره.

والدَّليل عليه: لو استوفى أحدهم لا يضمن للباقين شيئاً ولا للقاتل ولو لم يكن جميع القصاص واجباً له لكان ضامنًا باستيفاء الكل وهذا بخلاف ما إذا عفا أحدهم؛ لأنَّ الواجب بعد العفو المال للباقين والمال يحتمل التجزي فيظهر حكم التجزي عند وجوب المال وهذا لأنَّا لو بَعَّضْنَا (١٣) القصاص لأحدهما بعد عفو الآخر كان من ضرورته تعدد القصاص الواجب في المحل وهو غير متعدد في المحل، فأما قبل العفو لو قلنا كل واحد منهم يكون متمكناً من استيفائه لا يكون من ضرورته تعدد القصاص وهذا بخلاف ما إذا كان أحدهما غائباً؛ لأن هناك جميع القصاص واجب للحاضر ولكن في استيفائه شبهة عفو موجود لجواز أن يكون الغائب عفا والحاضر لا يشعر [به] (١٤) وعفو الغائب صحيح سواء علم بوجوبه أو لم يعلم (١٥).


(١) زيادة في (ب).
(٢) وفي (ب) (بسقي).
(٣) وفي (ب) (لوجوب).
(٤) وفي (ب) (للولي)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٥) وفي (ب) (يثبت).
(٦) وفي (ب) (على).
(٧) وفي (ب) (إذا)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(٨) وفي (ب) (الوصي).
(٩) سورة الإسراء من الآية (٣٣).
(١٠) وفي (ب) (يثبت).
(١١) سقط في (ب).
(١٢) وفي (ب) (معه)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام.
(١٣) وفي (ب) (بقينا).
(١٤) سقط في (ب).
(١٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (٢٦/ ١٧٥، ١٧٦).