للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «الذَّخيرة» جعل الاستيناء مطلقاً قول بعض المشائخ، فقال: وبعض مشائخنا قالوا: الاستيناء حولاً في فصل القلع في البالغ والصَّغير جميعًا لقوله -عليه السلام- «في الجنايات كلها يستأني حولاً» (١) وذكر فيها قبل هذا: والأصل عندنا أنَّه يُستأنى في الجنايات كلها حولاً عمدًا كانت أو خطأ وإنَّما قُدِّر بالحول؛ لأنَّ السَّنة مشتملة على الفصول الأربعة التي جعل بها قوام الإنسان وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة فوجب الانتظار سنة حتى يمر عليه الفصول الأربعة من السنة فلعل فصلاً من فصول السنة يوافق طبع المجني عليه فتبرأ جراحته وتلتئم أو يخالف طبعه فيموت، فكان مضي السنة في الغالب سبباً للبرء والتلف وقدر بالسنة، لهذا كما قررت مُدَّة العِنِّين بالسَّنة لهذا (٢).

وفي المجرَّد (٣) عن أبي حنيفة -رحمه الله- إذا نزع سن إنسان ينبغي للقاضي أن يأخذ ضَمِيناً من النَّازع ثم يؤجله سنة من يوم النزع وإذا مضت سنة ولم ينبت اقتص منه (٤).

قال هشام: قلت لمحمَّد: فمن ضرب سنَّ رجل فسقط انتظر بها حولاً لعلها تنبت قال: لا، فقلت: أقال واحد من اخوانك ينتظر؟ قال: لا إنما ذلك إذا تحرَّكت (٥).


(١) رواه الدارقطني (٣/ ٩٠)، في (كتاب الحدود والديات)، برقم (٣٢)، عن يزيد بن عياض عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يستأني بالجراحات سنة». قال الدارقطني: يزيد بن عياض ضعيف متروك. وأخرجه البيهقي (٨/ ٦٧)، في (باب ما جاء في الإستثناء بالقصاص من الجرح والقطع)، برقم (١٥٨٩٢)، عن بن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه».
قال البيهقي: وكذلك رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير ومن وجهين آخرين عن جابر ولم يصح شيء من ذلك.
(٢) يُنْظَر: البناية شرح الهداية (١٣/ ٢٠٩).
(٣) كتاب المجرد: للحسن بن زياد اللؤلؤي (ت ٢٠٤ هـ). يُنْظَر: الفهرست (٢٨٨)، تاج التراجم (١٥٠).
(٤) قال بدر الدين العيني في البناية (١٣/ ٢٠٩): وعلى هذه الرواية لم يفرق كثير من مشايخنا بين سن البالغ وسن الصغير، بل قالوا بالإستيناء فيهما جميعا، وإليه ذهب القدوري والسرخسي وغيرهما. وينظر: تكملة البحر الرائق (٨/ ٣٤٨).
(٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٣١٥).