للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والطريق الثاني أن موجب جناية الخطأ يتباعد عن الجاني لكونه معذورًا في ذلك؛ وكون الخطأ موضوعًا شرعًا، ويتعلق بأقرب الناس إليه لإظهار صيانة المحل المحترم والتخفيف على المخطئ.

ألا ترى أن في حق الحر يجب على عاقلته (١) لهذا المعنى؛ فكذلك في حق العبد إلا أن (٢) عاقلة العبد مولاه؛ لأن الحر يستنصر بعاقلته ويزداد قوةً وجرأةً بهم كما أن المملوك يستنصر بمولاه فيجب ضمان جنايته على المولى؛ إلا أن للمولى أن يقول إنما لحقني هذا البلاء بسبب ملكي فيه ولي أن أتخلص عنه بنقل ملكي فيه إلى المجني عليه فأدفعه بالجناية؛ فإذا دفعه كان المجني عليه هو المالك فلا يجب عليه شيء آخر بالجناية عليه.

وإذا لم يدفعه كانت الدية (٣) عليه بخلاف ضمان المال فإنه يجب في ذمة المتلف ولا يخاطب به غيره كما في حق الحر؛ كذا في المبسوط (٤).

وقوله إلا أنه يخير [أي يخير] (٥) المولى في أصل المسألة؛ وهو ما إذا جنى العبد خطأ وهذا استثناء من قوله: والمولى عاقلته (٦)؛ يعني بالنظر إلى أن المولى عاقلته ينبغي أن لا يثبت الخيار للمولى بين الدفع والفداء كما لا يثبت هذا الخيار لسائر العواقل؛ وفرق بين المولى وبين سائر العواقل بهذا.


(١) العاقِلة بكسر القاف والعاقلة صفة موصوف محذوف أي الجماعة العاقلة مؤنث عاقل وهو دافع الدية. ينظر: لسان
العرب (١٥/ ٣٨٣)، المعجم الوسيط (٢/ ٦١٧).
مذاهب الفقهاء: المذهب الأول: العاقلة هم عصبة الجاني؛ وهو مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة وقول عند المالكية.
ينظر: أسنى المطالب (٨/ ٢٠٣)، مغني المحتاج (٥/ ٣٥٨)، المغني والشرح الكبير (١١/ ٤٩١)، حاشية الدسوقي
(٦/ ٢٥٠).
المذهب الثاني: العاقلة هم أهل الديوان وهو مذهب الحنفية والقول الآخر عند المالكية واختلفوا إن لم يكن من أهل الديوان
فعاقلته قبيلته وأقاربه وكل من يتناصر هو بهم. ينظر: البناية (١٣/ ٣٦٤)، تكملة فتح القدير لقاضي زاده (١٠/ ٤٢٤).
وقال المالكية: إن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته عصبته فإن لم يكن له عصبة فتؤدى الدية من بيت المال. ينظر: الذخيرة
(١٠/ ١١٤)، حاشية الدسوقي (٦/ ٢٥٠).
(٢) في (ج): لأن؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) وديت القتيل أديه دية إذا أعطيته ديته، وقد وديت المقتول أي أديت ديته من حد ضرب، فالدية اسم للمال ومصدر، شرعًا: اسم للمال الذي هو بدل النفس. ينظر: المغرب (ص/ ٤٨٠)، تكملة البحر الرائق للطوري (٨/ ٣٧٢).
(٤) ينظر: المبسوط (٢٧/ ٢٧).
(٥) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٦) في (ج): على عاقلته؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.