للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إنما يخير المولى هاهنا؛ لأن التخيير للتخفيف والتخفيف مطلوب في الموضعين غير أن أثر التخفيف تحقق (١) في سائر العواقل بوجه آخر وهو التوزيع والقسمة عليهم على وجه لا يورث الإجحاف (٢)؛ لأن بهم كثرة فكان تخفيفًا؛ وأما هاهنا فالمولى واحد فإثبات التخفيف فيه إنما يحصل بإثبات الخيار له.

غير أن الواجب الأصلي هو الدفع في الصحيح؛ هذا احتراز عن رواية أخرى ذكرها الإمام التمرتاشي (٣) (٤):؛ والصحيح أن الأصل هو الدية والأرش لكن للمولى أن يدفع هذا الواجب بدفع الجاني.

وذكر في الأسرار: وقد ذكر بعض مشائخنا أن الواجب الأصلي هو الأرش على المولى وله المخلص بالدفع، ثم قال والرواية بخلاف هذا في غير موضع (٥).

وقد نص محمد بن الحسن (٦): أن الواجب هو العبد (٧)؛ ولأن المولى ليس بجانٍ ولا عاقلة هو للعبد؛ لأن ولاية القرابة منقطعة بالرق والمولى ما اشتراه ليواليه ويعقل عنه بل ليستخدمه.

ولهذا يسقط الموجب بموت العبد؛ أي إذا هلك العبد قبل الاختيار بريء المولى من مطالبة المجني عليه حقه من الدفع والفداء؛ ولو لم يكن الموجب الأصلي هو الدفع أو أحد شيئين من (٨) الدفع والفداء بالأرش لكان إذا هلك العبد قبل الاختيار أن يتعين الأرش وليس كذلك دل أن الموجَب الأصلي هو الدفع؛ وله التخليص باختيار الفداء ثم بعد ذلك أيًا منهما اختاره يكون ذلك حالًا ولا يكون مؤجلًا على ما ذكر في الكتاب (٩) كذا في الذخيرة (١٠) (١١).


(١) في (ب) و (ج): ظهر؛ وما أثبت من (أ) قريب منه.
(٢) أجحف السيل بالشيء: ذهب به، وأجحف بعبده: كلفه ما لا يطيق؛ ثم استعير الإجحاف في النقص الفاحش. ينظر: المصباح المنير (١/ ٩١).
(٣) هو: أحمد بن إسماعيل بن محمد إيدغمش التمرتاشي الخوارزمي، الحنفي ظهير الدين، أبو محمد مفتي خوارزم. توفي في حدود سنة ٦٠٠ هـ. من مؤلفاته: «شرح الجامع الصغير»، وكتاب «التراويح». ينظر: الجواهر المضية (١/ ٦١)، الأعلام للزركلي (١/ ٩٧).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (١٠/ ٣٤٠).
(٥) ينظر: العناية (١٠/ ٣٤٠).
(٦) محمد بن الحسن الشيباني من صغار تلاميذ أبي حنيفة ولكنه أكثرهم خدمة للمذهب وكان من بحور العلم والفقه. ينظر: الفوائد البهية (١٦٣).
(٧) ينظر: العناية (١٠/ ٣٤٠).
(٨) في (أ): بين؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٩) هو مختصر القدوري في فروع الحنفية للإمام أبي الحسين: أحمد بن محمد القدوري البغدادي الحنفي. المتوفى: سنة ٤٢٨ ثمان وعشرين وأربعمائة. وهو: الذي يطلق عليه لفظ: (الكتاب) في المذهب. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (٢/ ١٦٣١).
(١٠) ذخيرة الفتاوى المشهورة بالذخيرة البرهانية للإمام برهان الدين محمود بن أحمد البخاري ت ٦١٦ هـ -اختصرها من كتابه المشهور بالمحيط البرهاني. ينظر: كشف الظنون (١/ ٨٢٣).
(١١) ينظر العناية (١٠/ ٣٤١).