للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: قوله ولهذا يسقط الموجب بموت العبد لإيضاح أصالة الدفع دون الفداء؛ وهذا الحكم ثابت أيضًا فيما إذا أتلف العبد مال إنسان ثم مات يسقط الموجب بموته ولا يطالب المولى بضمان ما أتلف مع أن في إتلاف المال لم يشرع الدفع أصلًا، والرواية في الجامع الصغير (١) (٢) للإمام … التمرتاشي: صريحًا، وفي مبسوط شيخ الإسلام (٣): إشارة؛

قلتُ: حق صاحب الحق في الصورتين تعلق برقبة العبد؛ وإذا مات العبد فقد فات المحل الذي تعلق به حقهما فسقط الحق لذلك؛ وحاصله (٤) أن في صورة إتلاف المال الدفع حاصل أيضًا؛ لأن الغرماء هم الذين يتولون بيع العبد فكان العبد مدفوعًا إليهم.

وذكر في آخر هذا الباب من المبسوط في هذه المسألة: وسواء مات العبد بآفة سماوية أو بعثه المولى في حاجته فعطب (٥) فيها أو استخدمه فلا ضمان عليه فيما لحقه بذلك؛ لأن للمولى حق الاستخدام في العبد الجاني ما لم يدفعه فلا يكون فعله ذلك تعديًا (٦) كما في مال الزكاة (٧)؛ فإن موجب مال الزكاة وهو وجوب الزكاة بعد حولان الحول يسقط عن صاحبه بهلاك ذلك المال وإن كان لصاحبه [حق] (٨) نقل (٩) آداء الزكاة من مال آخر بخلاف موت الجاني الحر؛ أي أن موجب جناية الحر لا يسقط عن العاقلة بموت الجاني فصار كالعبد في صدقة الفطر؛ أي فصار موت الجاني الحر في عدم سقوط الموجب كموت العبد في حق صدقة الفطر؛ فإن صدقة الفطر إذا وجبت على المولى لا تسقط بموت العبد فكذلك في موت الجاني الحر؛ فلأن التأجيل في الأعيان باطل (١٠)؛ لأن التأجيل شرع للتحصيل ترفهًا وتحصيل الحاصل باطل.


(١) ينظر: العناية (١٠/ ٣٤٠).
(٢) الجامع الصغير للإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني، وهو كتاب قديم مبارك مشتمل على ألف وخمسمائة واثنتين وثلاثين مسألة، والمشايخ يعظمونه حتى قالوا: لا يصلح المرء للفتوى، ولا للقضاء إلا إذا علم مسائله. كشف الظنون عن أسامي ينظر: الكتب والفنون (١/ ٥٦٣).
(٣) الأصل في الفروع للإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني الحنفي؛ المتوفى: سنة تسع وثمانين ومائة، وهو المبسوط سماه به، لأنه صنفه أولًا وأملاه على أصحابه، رواه عن الجوزجاني وغيره. ينظر: كشف الظنون (١/ ٨١).
(٤) في (ج): ولصاحبه؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) العطب: الهلاك يكون في الناس وغيرهم، عطب بالكسر عطبًا وأعطبه: أهلكه، والمعاطب: المهالك. ينظر: لسان العرب (١/ ٦١٠)، الصحاح (١/ ١٨٤).
(٦) في (أ): بعده؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٧) الزكاة: في اللغة: الزيادة، وفي الشرع: عبارة عن إيجاب طائفة من المال في مال مخصوص لمالكٍ مخصوص، والزكاة هي النماء يقال زكى الزرع يزكو أي نما وهي الطهارة أيضًا وسميت الزكاة زكاة لأنه يزكو بها المال بالبركة ويطهر بها المرء بالمغفرة. ينظر: طلبة الطلبة (١٦)، التعريفات (١١٤)، المغرب (٢٠٩).
(٨) ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٩) في (ب): قبل؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١٠) بطل: بَطَل الشيءُ يَبْطُل بُطْلًا وبُطُولًا وبُطْلانًا: ذَهَبَ ضَياعًا وخُسْرًا، فَهُوَ بَاطِل، وأَبْطَله هُوَ. وَيُقَالُ: ذَهَبَ دَمُه بُطْلًا أَي هَدَرًا. وبَطِل فِي حَدِيثِهِ بَطَالَة وأَبْطَلَ: هَزَل، وَالِاسْمُ البَطل. والبَاطِل: نَقِيضُ الْحَقِّ، وَالْجِمْعُ أَبَاطِيل، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كأَنه جَمْعُ إِبْطَال أَو إِبْطِيل؛ هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. ينظر: لسان العرب (١١/ ٥٦).
وَهُوَ فِي الاِصْطِلَاحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ.
فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلَانُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.
ينظر: كشف الأسرار ١/ ٢٥٨.
وَالْبُطْلَانُ فِي الْمُعَامَلَاتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلَانِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلَانُ الْمُعَامَلَةِ لَا يُوَصِّل إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلًا؛ لأِنَّ آثَارَهَا لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
ينظر: كشف الأسرار ١/ ٢٥٨، ٢٥٩ والمستصفى للغزالي ٢/ ٢٥، ودرر الحكام الكتاب الأول ص ٩٤ مادة: ١١٠، وحاشية ابن عابدين ٢/ ٩٧ ومنح الجليل ٢/ ٥٥٠.
وَتَعْرِيفُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا، والْفَسَادُ مُرَادِفٌ لِلْبُطْلَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِل وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْل الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلَا يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ.
ينظر: جمع الجوامع ١/ ١٠٥، والمنثور في القواعد للزركشي ٣/ ٧، وأشباه السيوطي ص ٣١٢، والقواعد والفوائد الأصولية ص ١١٠