للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط أي سقط حق مطالبة ولي الجناية من المولى كالوارث إذا خلى بين الغرماء وبين التركة لفوات حقه.

على ما بيناه إشارة إلى قوله غير أن الواجب الأصلي هو الدفع إلى آخره (١).

وإن مات أي العبد الجاني بعدما اختار الفداء لم يبرأ؛ أي سواء اختار المولى الفداء قولًا أو فعلًا لم يبرأ المولى عن الفداء.

فإن قلتَ ما الفرق بين هذا وبين كفارة اليمين فإن [أحد] (٢) الأنواع الثلاثة من الإطعام والإلباس والإعتاق في كفارة اليمين لا يتعين إلا بالفعل ولا يتعين بالقول مع أن الجانب هناك مختار بين تلك الثلاثة؛ وههنا مولى العبد الجاني مختار أيضًا بين الدفع والفداء فيتعين أحدهما بالقول.

قلتُ الفرق بينهما هو أن في حقوق الله تعالى المقصود (٣) هو الفعل والمحل تابع؛ وفي حقوق العباد المقصود هو تعيين المحل حتى يتمكن صاحب الحق من الاستيفاء؛ والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل فكان القول محققًا غرض صاحب الحق.

فإن عاد وجنى كان حكم الجناية الثانية حكم الأولى؛ أي يقال للمولى ادفعه بالجناية الثانية أيضًا أو افده كما هو الحكم في الجناية الأولى.

معناه بعد الفداء إنما فسر المسألة بهذا لأنه إذا لم يفد الجناية الأولى ثم جنى أخرى كانت المسألة [عين المسألة] (٤) الثانية وهي قوله وإن جنى جنايتين قيل للمولى إما أن تدفعه إلى آخره (٥).

لأن تعلق الأولى أي الجناية الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين الرهن (٦) فإن تعلق حق المرتهن بالرهن منع تعلق حق الثاني به حتى إن الراهن لو مات بعد الرهن وعليه ديون أخرى سوى دين المرتهن لحقته قبل الرهن أو بعده لا تتعلق سائر الديون بالرهن، فقد منع هناك تعلق الدين الأول برقبته تعلق الدين الثاني بها؛ ولم يمنع ههنا تعلق حق المجني عليه الأول حق المجني عليه الثاني برقبة العبد الجاني.


(١) غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْمُوجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْلِ إلَى الْفِدَاءِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ. ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (٤/ ٤٨٥)، العناية (١٠/ ٣٤٠)، البناية (١٣/ ٢٧٩).
(٢) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (أ): في المقصود؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب لاستقامة المعنى بدون (في).
(٤) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٥) (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ قِيلَ لِلْمَوْلَى إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ يَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَإِمَّا أَنْ تَفْدِيهِ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا). ينظر: الهداية (٤/ ٤٨٥)، العناية (١٠/ ٣٤٢)، البناية (١٣/ ٢٨١).
(٦) الرهن لغة: الراء والهاء والنون أصل يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره؛ ويأتي بمعنى الحبس، شرعًا: هو حبس الشيء بحق يمكن استيفاؤه منه كالدين. ينظر: تكملة البحر الرائق (٨/ ٢٦٤) لسان العرب (١٣/ ١٨٨).