للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ الفرق بينهما من حيث إن الرهن إيفاء حكمي والارتهان استيفاء حكمي فيعتبران بالإيفاء والاستيفاء الحقيقين؛ ففي الإيفاء والاستيفاء الحقيقيين لا يبقى تعلق لسائر الديون فكذا في الحكم؛ وأما ههنا فمجرد التعلق لا الإيفاء ولا الاستيفاء لا حقيقة ولا حكمًا فلا يتنافيان في التعلق برقبة العبد الجاني.

ومعنى قوله على قدر حقيهما (١): على قدر جنايتهما (٢)؛ لأن المستحق إنما يستحقه عوضًا عما فات عليه فلا بد من أن يقسم على قدر المعوّض كذا في الإيضاح (٣).

لما ذكرنا وهو قوله: لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثاني.

لأن أرش العين أي العين الواحدة.

والحق يجب للمقتول ثم للوارث خلافة عنه؛ هذا جواب إشكال وهو أن يقال الحق وإن كان متحدًا بالنظر إلى السبب فهو متعدد بالنظر إلى المستحقين؛ فينبغي أن يكون حكم هذه المسألة مثل المسألة الأولى بأن يتمكن المولى من أن يفدي (٤) من أحدهما ويدفع إلى الآخر.

فأجاب عنه بهذا وقال لا نُسَلِّم بأن المستحق متعدد بل المستحق متحد أيضًا كالسبب لأن الأصل في الاستحقاق الميت وهو واحد والوارثان خليفة عنه فكان الاعتبار لاتحاد الأصل.

فإن قلت فاعتبار جانب الوارث أولى ههنا من اعتبار جانب الميت وذلك لأن الملك يثبت للوارث حقيقة وحكمًا؛ ويثبت الملك للميت حكمًا لا حقيقة لأنه ليس من أهل الملك حقيقة؛ ولما كان كذلك والوارث اثنان وجب أن يتمكن المولى من أن يفدي من أحدهما ويدفع إلى الآخر كما لو اختلفت الجنايتان ترجيحًا لجانب المالك حقيقة وحكمًا على المالك حكمًا لا حقيقة.

قلتُ هذا الذي ذكرته هو وجه إحدى روايتي كتاب الدرر (٥) وأما في عامة (٦) الروايات فيصير المولى مختارًا للفداء في حق الوارثين جميعًا إذا اختار الفداء في حق أحدهما؛ فوجه ذلك هو أن ملك الميت أصل وملك الوارث بناءً عليه ولا شك أن اعتبار الأصل أولى من اعتبار الفرع فاعتبرنا جانب الميت وباعتبار جانب الميت كان المستحق واحدًا، فلذلك لم يتمكن المولى من الدفع إلى الآخر بعدما اختار الفداء في حق أحدهما إلى هذا أشار في الذخيرة (٧).


(١) في (أ): حقيقتهما؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب. كما في بداية المبتدي (١/ ٢٥٢).
(٢) وجاء في (أ) و (ج): على قدر رأس جنايتهما؛ والصواب: على قدر أرش جنايتهما.
(٣) ينظر: العناية (١٠/ ٣٤٢).
(٤) في (أ): بين أن يفدي؛ وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٥) كتاب الدرر: هو كتاب جليل القدر عظيم النفع في الفقه الحنفي لمحمد بن فراموز الشهير بمُنْلا خُسْرو ت ٨٨٥ هـ - ينظر: الفوائد البهية (١٨٤).
(٦) في (ب): سائر؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب من معناه.
(٧) ينظر: العناية (١٠/ ٣٤٣).