للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن أعتقه المولى وهو لا يعلم بالجناية ضمن الأقل إلى آخره (١).

وحاصل هذا فيما ذكره في الذخيرة بقوله: والأصل في جنس هذه المسائل أن المولى متى أحدث في العبد تصرفًا يعجزه عن الدفع وهو عالم بالجناية يصير مختارًا للفداء.

وإذا أحدث تصرفًا لا يعجزه عن الدفع لا يصير مختارًا وإن كان عالمًا بالجناية، لأن في الوجه الأول اختار إمساك العبد فيتعين دفع الفداء، لأن المخير بين شيئين في الإزالة إذا اختار إمساك أحدهما يلزمه إزالة الآخر عن ملكه؛ كمن أعتق أحد عبديه ثم باع أحدهما فإنه يتعين الآخر للعتق.

وفي الوجه الثاني ما اختار إمساك العبد لأن الدفع بعدما باشر من التصرف ممكن فيبقى على خياره؛ فإذا ثبت هذا الأصل فنقول الإعتاق تصرف يعجزه عن الدفع لأن إعتاقه نافذ؛ لأن تعلق حق الغير بالعبد لا يمنع نفاذ العتق فيه وبعد نفاذ العتق لا يمكنه الدفع؛ فإذا أعتق مع العلم بالجناية فقد اختار (٢) إمساك العبد فيتعين الفداء بخلاف الإقرار على رواية الأصل.

يعني إذا أقر الرجل الذي في يده العبد الجاني بأن هذا العبد لفلان؛ أي: لا يصير مختارًا للفداء لما ذكر في الكتاب؛ هذا الذي ذكره من الحكم بأنه لا يصير مختارًا للفداء فيما إذا أثبت (٣) بالبينة أنه لفلان، وأما إذا لم يثبت بالبينة فلا؛ لأنه ذكر في المبسوط ولو أن عبدًا في يدي رجل جنى جناية، فقال: ولي الجناية هو عبدك، وقال الرجل هو وديعة (٤) عندي لفلان أو عارية (٥) أو إجارة (٦) أو رهن؛ فإن أقام على ذلك بَيِّنَة أخرت الأمر فيه حتى يقدم الغائب؛ فإن لم يقم بينة خوطب بالدفع أو الفداء (٧).


(١) (فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا، وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ). ينظر: الهداية (٤/ ٤٨٦)، العناية (١٠/ ٣٤٣)، البناية (١٣/ ٢٨٢).
(٢) في (ج): فنفذ اختيار؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) في (ج): ثبت؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.
(٤) الوديعة لغة: مأخوذة من ودع الشيء إذا تركه، واصطلاحًا: تسليط الغير على حفظ المال. ينظر: المغرب (٢/ ٣٤٦)، أنيس الفقهاء (ص/ ٢٤٨).
(٥) العارية بتشديد الياء تمليك منفعة بلا بدل، وهي نوعان حقيقية ومجازية؛ فالحقيقية: هي إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها كالثوب والدابة؛ والمجازية: وهي إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاستهلاك كالدراهم ينظر: التعريفات (ص/ ١٤٦)، أنيس الفقهاء (ص/ ٩٤).
(٦) الإجارة: عقد على المنافع بعوض. ينظر: طلبة الطلبة (ص/ ٢٦١)، معجم لغة الفقهاء (ص/ ٢١).
(٧) ينظر: المبسوط (٢٧/ ٤١).