للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلى هذا لا يتفاوت أن يكون الآمر والمأمور بأي وصف كانا بعد أن كانا صبيين؛ سواء كانا حرين أو عبدين أو أحدهما حرًّا والآخر عبدًا؛ لا يرجع الصبي المأمور بالقتل إذا قتله على الصبي الآمر حتى لو كان الآمر عبدًا صغيرًا محجورًا أو مأذونًا والمأمور كبيرًا ومثله لم يرجع مولى الجاني على الآمر في الحال ولا بعد الإعتاق كما (١) قلنا.

أما لو كان الآمر حرًّا كبيرًا والمأمور صغيرًا فقتل؛ فالدية على عاقلة الصبي، ثم يرجع بذلك عاقلة الصبي على عاقلة الآمر؛ لأنه استعمله في أمره ولحقه فيه ضمان فيضمن.

ألا ترى أنه لو دفع إليه سكينًا ليحفظه فوقع السكين من يده فجرحه؛ أو بعثه في حاجته فهلك فيه يضمن الدافع والباعث فكذلك هاهنا.

فإن قيل هذا ضمان لزمه بالقول وهو الأمر فلا تتحمله العاقلة؛ كما لو أقر بقتل أو شهد على رجل بقتل فقضى به وقتله الولي ثم رجع فالضمان في ماله دون العاقلة.

قلنا بل الضمان بالقول ولكن قول لا يحتمل الكذب وهو كالفعل المعايَن حكمًا فتضمن العاقلة، وإن كان قولًا في نفسه كرجل أشهد عليه في حائط مائل فلم يهدمه حتى سقط فقتل رجلًا كان الضمان على العاقلة وإن كانت الجناية لزمته بالقول وهو الإشهاد، ولما أن الإشهاد لا يحتمل الكذب كذلك هاهنا.

بخلاف الإقرار والشهادة (٢) لأنه يحتمل الصدق والكذب.

ولو كانا عبدين بالغين فلا يخلو إما أن كانا محجورين أو مأذونين؛ فإن كان كلاهما محجورًا بأن أمر عبد محجور عبدًا محجورًا وهما كبيران أو الآمر كبير والمأمور صغير بقتل رجل فقتله يخير مولى المأمور بين الدفع والفداء في عبده؛ وأي ذلك فعل لا سبيل له على الآمر ومولاه حتى يعتق؛ فإذا عتق الآمر حينئذ يرجع مولى المأمور على الآمر فيأخذ منه قيمة عبده المأمور؛ لأنا جعلنا الأمر بالقتل كالإقرار بالغصب (٣) [وفي الإقرار بالغصب] (٤) لا يؤاخذ به في الحال، وإنما يؤاخذ به بعد العتاق فكذلك هاهنا.


(١) في (ب): لما؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) الشهادة تطلق على الخبر القاطع والإخبار بما شاهده، وفي الشرع: هو الإخبار عن كون ما في يد غيره لغيره. ينظر: المصباح المنير (ص/ ١٦٩)، بدائع الصنائع (٩/ ٣).
(٣) الغصب: هو أخذ الشيء ظلمًا، واصطلاحًا: هو أخذ مال متقوم محترم بغير إذن المالك على وجه يزيل يده عنه. ينظر: لسان العرب (١/ ٦٤٨)، المبسوط للسرخسي (١١/ ٤٩).
(٤) ساقطة من (ب)؛ وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.