للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فصار حاصل تعليلهما دائرًا مع التسليط حيث وجد التسليط في حق الصبي دون غيره على ما ذكر، فيشكل على هذا ما لو استهلك الصبي الوديعة ثم جاء مستحق واستحقها وضمن الصبي لم يرجع الصبي على الآمر، ولو كان الإيداع منه تسليطًا لرجع بالضمان عليه كما لو قال له: أتلف هذا المال [فأتلفه] (١) فإنه يرجع بما ضمن على الآمر.

قلنا: إنما فسرنا التسليط وحددناه بحد لا يَرِد عليه هذا السؤال وهو التمكن (٢) منه بإثبات يده لا بأمر وطلب واستعمال، فكان نظير ما حددناه أن يقول لصبي أَبَحْتُ لك أن تأكل هذا المال فأكله ثم جاء مستحق وضمَّنه لم يرجع به على المبيح.

فكذلك إذا أثبت يده عليه لأنه مباح له بهذا ولا يكون محمولًا على التصرف، وأما إذا أمره بالإتلاف فقد استعمله بالحمل عليه.

ألا ترى أنه لو كان عبدًا صار غاصبًا بالاستعمال بأمره، وإذا صار مستعملًا صار ضامنًا له السلامة عن عهدة ما باشره باستعماله.

ألا ترى أنه لو قال لعبد: أبحت لك هذا الطعام فأكله العبد لم يصر هذا المبيح غاصبًا بخلاف ما لو استعمله بأمره؛ وهذا لأن فيما ذكرنا ثبت التسليط حكمًا لا صريحًا بالأمر وعن هذا وقع التفاوت.

ألا ترى أنه لو رأى عبده يتَّجر فسكت يصير العبد مأذونًا في التجارة، ولو ظهر أن العبد كان حرًا واستحقه (٣) مستحق لم يرجع الغرماء على مولاه.

ومثله (٤) لو قال: هذا عبدي أذنت له في التجارة فبايعوه ثم ظهر أنه كان حرًّا أو استحقه مستحق يرجع الغرماء على المولى؛ لأن الإذن في المبايعة مصرح به هاهنا ومسكوت عنه في الوجه الأول.

فإن قيل لو كان الإيداع من الصبي تسليطًا له على الإتلاف لضمن الأب مال الوديعة بتسليمه إلى ابنه الصغير ليحفظها؛ لأن التسليم إليه تضييع على هذا التقدير والمودَع يضمن بالتضييع ومع ذلك لا يضمن هناك، عرفنا أنه ليس بتسليط على الإتلاف.

وكذا الأب إذا دفع مال الصبي إليه لا يضمن إذا تلف في يده ولو كان تضييعًا لذلك بالتسليط لضمن الأب.

قلنا: إنما لم يضمن الأب فيها لأن يد من في عيال (٥) المودع إذا كان أهلًا لحفظ الوديعة كَيَدِ المودع.


(١) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٢) في (ب): التمكين؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (ب): أو استحقه؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) في (ب): وبمثله؛ وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.
(٥) في (ب): لأن يد من عيال؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.