للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإن ادَّعى على واحد من غيرهم سقط عنهم؛ أي سقطت القسامة والدية، ويحلف المدعى عليه يمينًا واحدًا كذا في الذخيرة (١)؛ فتعيينه واحدًا منهم لا ينافي ابتداء الأمر؛ فإن الشارع أوجب القسامة ابتداء على أهل المحلة؛ فتعيينه واحدًا منهم لا ينافي ما شرعه الشارع ابتداء.

وفي المبسوط: وإن ادعى أهل القتيل على بعض أهل المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم فقالوا قتله فلان [عمدًا أو] (٢) خطأ لم يُبْطِل هذا حقه وفيه القسامة والدية؛ لأنهم ذكروا ما كان معلومًا لنا بطريق الظاهر، وهو أن القاتل واحد من أهل المحلة، وكما لا يعلم ذلك حقيقة فكذلك بدعوى الأولياء على واحد منهم بعينه لا يصير معلومًا لنا حقيقة أنه هو القاتل، فإذا لم يثبت (٣) بهذه الدعوى شيء لا يتغير (٤) الحكم به، فبقيت القسامة والدية على أهل المحلة.

[وروى ابن المبارك (٥) (٦) عن أبي حنيفة: أنه تسقط القسامة عن أهل المحلة] (٧)؛ لأن دعوى الولي على واحد منهم بعينه يكون إبراء لأهل المحلة عن القسامة؛ فإن القسامة في قتيل لا يعرف قاتله؛ فإذا زعم الولي أنه يعرف القاتل منهم بعينه صار مُبَرِّئًا لهم عن القسامة وذلك صحيح منه؛ فإذا ادعى القتل على غيرهم امتنعتْ دعواه عليهم للتناقض؛ لأنه لما ادعى على غير أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة من ذلك حتى لا تُسْمَع دعواه بعد ذلك على أهل المحلة للتناقض، كذا في المبسوط (٨).

يقال أجلوا عن قتيل؛ أي انكشفوا عنه وانفرجوا.

لأن القتيل بين أظهرهم؛ أي وجد بين أظهرهم؛ أي بينهم. والظهر والأظهر تجيئان معجمتين كما في قوله غ: «لا صدقة إلا عن ظهر غِنَى» (٩) أي صادرة عن غنى؛ فالظهر فيه معجم كما في ظهر القلب وظهر الغيب، فكذا في الأظهر يقال: أقام بين أظهرهم أي بينهم، ثم وجود القتيل بين أظهرهم موجب للقسامة والدية عليهم؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -قضى على أهل خيبر بالقسامة والدية لوجود القتيل بين أظهرهم (١٠).


(١) ينظر: العناية (١٠/ ٣٨٧)، البناية (١٣/ ٣٥٢).
(٢) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) في (ج) و (أ): يستفد؛ وما أثبت من (ب) قريب من معناه.
(٤) في (ج): يصير؛ وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.
(٥) هو عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم، التركي ثم المروزي، الحافظ الغازي أحد الأعلام، الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته، مات سنة إحدى وثمانين ومائة. ينظر: سير أعلام النبلاء (٨/ ٣٧٨).
(٦) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١١٤)، البناية (١٣/ ٣٥٢)
(٧) ساقطة من (ج)؛ وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٨) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١١٥).
(٩) أخرجه البخاري في (صحيحه)، كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، (٢/ ١١٢ رقم الحديث: ١٤٢٧)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة (٢/ ٧١٧ رقم الحديث: ١٠٣٤) ونصه: "خير الصدقة عن ظهر غنى … ".
(١٠) سبق تخريجه. ص ٢٠٢ من حديث عبدالرزاق.