للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأبو حنيفة: يقول: أهل المحلة صاروا خصماء في هذه الحادثة بوجود القتيل بين أظهرهم؛ ومن صار خصمًا في حادثة لا تقبل شهادته فيها وإن خرج من (١) الخصومة كالوكيل إذا خوصم في مجلس الحكم ثم عزل فشهد؛ وإنما قلنا ذلك لأن السبب الموجب للدية والقسامة عليهم وجود القتيل بين أظهرهم كما قال عمر- رضي الله عنه - (وأنا أغرمكم الدية لوجود القتيل بين أظهركم) (٢)؛ وبدعوى الولي على غير أهل المحلة لا يتبين أن هذا السبب لم يكن، ولكن خرجوا من الخصومة بعد أن كانوا خصماء؛ إلى هذا أشار في المبسوط (٣) والإيضاح (٤).

وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل؛ إما على الأصل الأول؛ أعني به قوله إن كل من انتصب خصمًا في حادثة ثم خرج من أن يكون خصمًا لم تقبل شهادته؛ فمسألة الوكيل إذا خاصم في مجلس الحكم ثم عزل فشهد لم تقبل.

وكذلك الوصيّ عن اليتيم خصم في حقوقه وإن لم يخاصم لقيامه مقام اليتيم شرعًا في حقوقه؛ ثم لو بلغ اليتيم فشهد الوصي لم يقبل.

وإما على الأصل الثاني؛ وهو ما إذا كانت لرجل عرضية أن يصير خصمًا إلى آخره؛ فمسألة الشفيعين إذا شهدا على المشتري بالشراء وهما لا يطلبان الشفعة يقبل لأنهما ما صارا خصمين بالشراء، بل صارا بعرض ذلك بأن يطلبا.

وكذا الوارثان إذا شهدا بالدين (٥) على الميت وثَم وارث ثالث ولم يطلبا الميراث قبلت شهادتهما؛ لأن الوارث مع الدين لا يصير خصمًا بنفس الديون، فإن الدين مقدَّم عليه ولكنه بعرض أن يصير خصماَ بالطلب فله القضاء من موضع آخر، فإذا لم يطلب لم يكن خصمًا.

وكذلك الوكيلان (٦) بالخصومة إذا عزلا قبل الخصومة ثم شهدا بذلك قبلت شهادتهما؛ لأن الوكيل بالخصومة إنما يصير خصمًا بمكان القضاء لأنه لا يصح في غيره، فصارت الوكالة مؤقتة بالمكان فلا تثبت قبله كما لو وقتت بالزمان؛ كذا في الأسرار (٧).

ثم قال فيه: فما قاله أبو حنيفة أظهر وما قالاه أخف (٨).


(١) في (ب): عن؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية (١٠/ ٣٩٠)، المبسوط (٢٦/ ١١٥).
(٣) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١١٥).
(٤) ينظر: العناية (١٠/ ٣٩٠).
(٥) في (ج): بالمرض؛ وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٦) الوكالة: بمعنى التوكيل؛ وهي إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. ينظر: التعريفات (ص/ ١٧٧)، معجم لغة الفقهاء (ص/ ٤٨٠).
(٧) ينظر: البناية (١٣/ ٣٥٣، ٣٥٦).
(٨) في (ب) و (ج): أحق؛ وما أثبت من (أ) هو الصواب.