للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولم يكن عليه شيء في ماله أي لم يكن على المقرّ أيضًا شيء من الدّية، يعني كما لا يجب على العاقلة لما أن تصادقهما ليس بحجة عليهم، كذلك لا يجب على المقرّ القاتل أيضًا لتقرر وجوب الدية على العاقلة بتصادقهما وأحد المتصادقين ولّي القتيل، فمن زعم أن الدية إنما وجبت على العاقلة لا على المقر فإقراره حجة على نفسه.

بخلاف الأول أراد به قوله والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة، فيفهم من هذا أنه يلزم موجَب الإقرار في مال المقرّ، وإنّما وجبت الدّية هناك في مال المقرّ؛ لأنّ هناك لم يوجد تصادقهما بقضاء الدية على العاقلة فتجب في مال المقر ضرورة.

وذكر في المبسوط في شرح قوله: ولم يكن عليه شيء، أي ولم يكن على المقر شيء في ماله؛ لأنهما تصادقا على أن الواجب بقضاء القاضي تقرر على العاقلة، وبعدما تقرر على العاقلة لا يبقى عليه وتصادقهما حجة في حقهما بخلاف الأول، فإن هناك السّبب الموجب للدّية على العاقلة وهو قضاء القاضي لم يوجد أصلًا، فيقضى بها في مال المقرّ، إلا أن يكون له عطاء معهم فحينئذ يلزمه بقدر حصته من ذلك؛ لأنه في مقدار حصّته يكون مقرًّا على نفسِه وفي حصةِ عواقلِه مقرًّا عليهم فيؤخذ بما أقر به على نفسه، ومن هذا تبيّن أن القاتل إنما يكون أحدَ العواقل عندنا إذا كان له عطاء في الدّيوان، فأمّا إذا لم يكن فليس عليه من الدّية شيء؛ لأنّ الدّية تؤخذ من الأعطيات، فإن قيل: لما كان أصل الوجوب عليه وقد تحوّل بزعمه إلى عاقلته بقضاء القاضي، فإذا نوى (١) على العاقلة بجحودهم عاد الدَّين إلى ذمة المحيل.

قلنا: هذا يستقيم فيما إذا كان أصله دينًا لدفع التَوى عن مال المسلم، وهذا أصله لم يكن دينًا وإنّما كان بطريق الصلة لصيانة دم المقتول عن الهدر؛ فبعدما تقرر على العاقلة بقضاء القاضي لا يتحوّل إليه بحال سواء استوفى من العاقلة أو لم يستوف، كذا في المبسوط (٢).

قال أصحابنا: إنّ القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدّية في بيت المال.

وقد ذكرنا قبيل هذا: هذا الإطلاق محمول على ما إذا كان القاتل مسلمًا، فأما إذا كان القاتل ذميًّا ولا عاقلة له فالدية في ماله لا في بيت المال، وكذا ما يلزمه من الغَرامة لا يلزم (٣) بيتَ المال.

وفي فتاوى قاضي خان: روى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله أن من لا عاقلة له إذا قتل رجلًا خطأ فإنّ دية القتيل تكون في … مال الجاني.


(١) في (ب): قودي، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) ينظر: المبسوط (٢٧/ ١٣١).
(٣) في (أ): يلزم، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.