للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أن ما حدث من الزوائد قبل الموت بعد المرض يحدث على ملك المورث بخلاف إجازة المرتهن؛ لأن الإجازة هناك وجدت بعد سبب الملك للمرتهن في المرهون لأن قبض المرتهن المرهون سبب لثبوت الملك له في المرهون حتى يجعل مستوفيًا له من وقت القبض لا من وقت الهلاك، وكذلك عفو الورثة عن جارح أبيهم يصح لوجوده بعد وجود سبب القتل فصار كأن العفو وجد بعد القتل.

ألا ترى أن الجارح لو كفَّر بعد الجرح قبل موت المجروح ثم مات المجروح صح التكفير لأن القتل يستند إلى وقت الجرح؛ وأما ههنا إذا مات المورث من المرض فالموت لا يستند إلى حالة المرض حتى أن الورثة لا يملكون التركة من وقت المرض وإذا لم يستند الموت إلى حالة المرض كانت الإجازة من الورثة حاصلة قبل السبب فلا يجوز، هذا كله مما أشار إليه في المبسوط (١) والذخيرة (٢).

وذكر في الإيضاح ولا عبرة بإجازتهم ولا بردِّهم في حال حياة الموصي؛ وإنما يعتبر ذلك بعد الوفاة لأن حق الورثة وإن كان ثابتًا في حال المرض ولكن أثر هذا الحق [لا يظهر] (٣) في المال.

ألا ترى أن الوارث لو زنى بجارية المورث في مرض موته وجب الحدُّ؛ وهذا لأن الوراثة سبب للخلافة بعد الموت والملك موقوف على ما بعده؛ فإذا أجاز قبل ثبوت الملك لم يصح وكل ما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا.

وعند الشافعي من قبل الوارث، وثمرة هذا الاختلاف تظهر في مسائل حتى صحت هذه الإجازة عندنا في مشاع يحتمل القسمة ويصير ملكًا للموصى له قبل التسليم، ويجبر الوارث على التسليم بعد الإجازة، ولو كان يتملكه من جهة الوارث لكانت هذه الأحكام (٤) على عكسها.

وعند الشافعي: تنفذ هبة من الوارث حتى أنه إن سلَّم إليه يصح وإن لم يسلم إليه بطلت ولا يجبر عليه، كذا في مبسوط شيخ الإسلام: (٥) (٦).

وجه قول الشافعي: أن بنفس الموت صار قدر الثلثين من المال ملكًا للوارث؛ لأن الميراث يثبت بغير قبول الوارث ولا يرتد بالرد؛ فإجازته تكون إخراجًا للمال عن ملكه بغير عوض وذلك هبة لا تتم إلا بالقبض؛ ولكنا نقول تصرف الموصي صادف ملكه وامتنع نفوذه لقيام حق الغير فيه؛ فإجازة من له الحق تكون إسقاطًا لحقه ثم ينفذ التصرف على الوجه الذي باشره المتصرف كالراهن يبيع المرهون فيجيزه المرتهن، والمواجر يبيع المستأجَر فيجيزه المستأجِر.


(١) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١٥٤).
(٢) ينظر: المبسوط (٢٦/ ١٥٤)، البناية (١٣/ ٣٩٤).
(٣) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) في (ج): الإجازة، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) سبق في ص ٨١ أن المقصود مبسوط محمد الشيباني المسمى بالأصل أيضًا
(٦) ينظر: البناية (١٣/ ٣٩٤)، العناية (١٠/ ٤٢٠).