للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والجواب عما قال إن الوارث إنما يملك التركة بشرط الفراغ عن تصرف الموصي وحاجته، وهنا الفراغ إنما يحصل برد الوصية؛ فأما بالإجازة يتحقق الشغل فيتبين أنه لم يملكه الوارث وإنما يملكه الموصى له من جهة الموصي بإيجابه له الوصية، كذا في المبسوط (١).

والصحيح قولنا لأن السبب صدر من الموصي إلى آخره.

فإن قيل: لو أجاز الوارث في مرضه كان ذلك من ثلث ماله؛ فدل ذلك على أنه تمليك من جهة الوارث.

قلنا: الوارث إن لم يملك فقد أسقط حقه عن المال بفعله، وإسقاط الحقوق عن الأموال [إنما] (٢) يكون من الثلث وإن لم يكن تمليكًا كالعتق (٣)، وكذا لو ابتاع ما يساوي عشرة بدرهم ثم ردَّه بالعيب في مرضه كان من الثلث وإن لم يكن تمليكًا كما في العتق فكذا هنا، كذا في شرح الأقطع (٤)؛ ولأنه استعجل (٥) ما أخَّره الله تعالى فيحرم الوصية.

فيُحرم على بناء المفعول مع نصب لفظ الوصية على أنه مفعول ثان للحرمان، وكذلك في قوله: كما يُحرم الميراث.

فإن قلت: في مجموع هذا الكلام شبهتان؛ إحداهما في قوله: ولأنه استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية، وهذا التعليل إنما يصح أن لو كان الجرح بعد الوصية، وعندنا لا يتفاوت بين أن يكون الجرح مقدمًا على الوصية أو مؤخرًا عنها، فإنه يحرم عن الوصية، وهذا التعليل لا يصح فيما إذا كانت الوصية بعدَ الجرح؛ لأنه لم يوجد من الموصَى له بعد الوصية فعل يوجب الاستعجال ومع ذلك يحرم.

والثانية في منع القياس على الميراث؛ فإنه لو بطل الإرث لمعنى لا يلزم منه بطلان الوصية أيضًا بالقياس [عليه] (٦) كالرِق واختلاف الدين فإنهما ينفيان الإرثَ ولا ينفيان الوصية.

قلت: الشبهة الأولى ما تشبث به الشافعي: في قوله بالفرق بين تقديم الجرح على الوصية وتأخيره عنها؛ فقال: إن أوصى قبل الجراحة بطلت الوصية، وإن أوصى بعد الجرح صحت الوصية لهذا المعنى (٧)، وإنا نقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا وصية لقاتل» (٨) وهو بعمومه يتناول القاتل مقدمًا جرحه على الوصية أو مؤخرًا عنها، ولأن بطلان الوصية للقاتل لمغايظة الورثة؛ فإنهم يغيظهم أن يقاسمهم قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الوصية، وفي هذا المعنى لا فرق بين أن تتقدم الوصية على الجرح أو تتأخر عنه، وبه فارق الرق والكفر فإن الحرمان بهما لانعدام الأهلية للولاية لا لدفع المغايظة عن الورثة.


(١) ينظر: المبسوط (٢٧/ ١٥٤).
(٢) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (ج): من الثلث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٤) ينظر العناية (١٠/ ٤٢٠).
(٥) في (ب): ولأنه لفظ استعجل، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٦) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٧) ينظر: العناية (١٠/ ٤٢١، ٤٢٢)، البناية (١٣/ ٣٩٦).
(٨) أخرجه الدارقطني في الأقضية ص (٥٢٥) عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم ابن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لقاتل وصية"، انتهى. قال الدارقطني: مبشر متروك يضع الحديث، انتهى. ورواه البيهقي في المعرفة، وقال: لا يرويه عن حجاج غير مبشر، وهو متروك، منسوب إلى الوضع، انتهى. وقال في التنقيح: قال أحمد: مبشر بن عبيد أحاديثه موضوعة، كذب، انتهى. ينظر: نصب الراية (٤/ ٤٠٢).
ورواه الطبراني في الأوسط، وفيه بقية وهو مدلس. ينظر: مجمع الزوائد (٤/ ٢١٤).