للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعن هذا خرج الجواب عن الشبهة الثانية أيضًا وهي ما (١) تشبث به مالك؛ حيث قال بصحة الوصية للقاتل سواء أوصى له قبل الجرح أو بعده؛ فقال: لا يصح أن تقاس الوصية على الإرث فكم من موضع لا يثبت الإرث وتثبت الوصية كما في الكفر والرق (٢).

وقلنا عدم صحة الإرث بالكفر والرق لعدم الأهلية للإرث الذي ينبئ عن الولاية وليس لهما الولاية على الغير فلا يثبت الإرث.

وأما في الوصية فكونه موصى له لا ينبيء عن الولاية فلا يمنع الوصية في غير صورة القتل كما لا يمنع سائر العقود؛ ولكن عدم جواز الوصية للقاتل للمعنى الذي ذكرنا وهو مغايظة الورثة مقاسمة قاتل أبيهم تركة أبيهم بسبب الوصية وهو موجود في الإرث أيضًا؛ [لأن] (٣) بطلان الإرث للوارث القاتل لدفع المغايظة عن سائر الورثة، فلما استوى الإرث والوصية في هذا المعنى جاز قياس أحدهما على الآخر؛ ولأن القاتل إنما يحرم الإرث لأن القتل بغير حق جعل في حق القاتل غير موت؛ لأن الموت اسم لما تنتهي إليه مدة الحياة، ولا يجب إذا تحقق على أحد ضمان، فلما لزمه الضمان في القتل بغير حق جعل كأنه لا موت (٤)، وإذا انعدم الموت في حقه لم يرثه الوارث القاتل ولا يستحق الموصى (٥) له القاتل (٦) الوصية؛ لأن المال في الإرث والوصية لا يستحق بدون الموت، وفي هذا أيضًا لا يتفاوتان.

وأما ما ذكره من التعليل في الكتاب بقوله: ولأنه استعجل ما أخَّره الله تعالى فيجعل الجارح مستعجلًا وإن تقدم جرحه على الوصية؛ لأنه ذكر شيخ … الإسلام: إنما يعتبر كون الموصى له قاتلًا أو غير قاتل لجواز الوصية وفسادها يوم الموت لا يوم الوصية (٧)؛ فبالنظر إلى وقت الموت كان القتل مؤخرًا عن الوصية.

فإن قلت: يشكل هذا بالمدبر (٨) فإنه إذا قتل سيده يعتق مع أن التدبير وصية ولا وصية للقاتل، فينبغي أن لا يستحق الموصى له وهو المدبر الموصى به وهو العتق؛ لأنه قاتل عمدًا (٩) لعموم الحديث: «لا وصية لقاتل».


(١) في (ب): مما، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.
(٢) ينظر: البناية (١٣/ ٣٩٦).
(٣) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) في (ج): لا يرث، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٥) في (ج): الوصية، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.
(٦) في (ج): أي لا يستحق القاتل، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب من معناه.
(٧) ينظر: العناية (١٠/ ٤٢٢)، البناية (١٣/ ٣٩٦).
(٨) في (ب): بالدين، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٩) في (ب): عملًا، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.