للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَالْفَرْقُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ) إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ: (إِنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ)،

بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ فِيهَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَالاشْتِغَالُ بِالرَّكْعَتَيْنِ، يُؤَدِّي إِلَى التَّأْخِيرِ؛ فَلِذَلِكَ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا أَيْضًا: وَلَا يَتَنَفَّلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ، قَبْلَ الْفَرْضِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ المغرب، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ -رحمه الله-: وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» مَا سِوَى المغرب، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ؛ فَقَالَ: بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ إِلَّا المغرب.

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ كَوْنُ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ) أَيْ: بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ لِلْأَذَانِ سُنَنًا وَآدَابًا فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِهَا.

وَفِي" الْمَبْسُوطِ ": (أَنَّ الْأَذَانَ، ذِكْرٌ مُعَظَّمٌ؛ فَيُخْتَارُ لَهُ مَنْ يَكُونُ مُحْتَرَمًا فِي النَّاسِ، يُتَبَرَّكُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ، وَفِيهِ الْحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَأَكُمْ وَيُؤَذِّنُ لَكُمْ خِيَارُكُمْ») (١) (٢).

وَفِي "الْفَائِقِ" (٣) (٤) قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: (لَوْ أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الخليفيَّ (٥) لَأَذَّنْتُ) (٦) يَعْنِي مَعَ الْخِلَافَةِ، وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ؛ نَاقِلًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيِّ، بَعْدَمَا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ: رَأَيْتُ أَبَا حَنِيفَةَ -رحمه الله-؛ يُؤَذِّنُ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ (٧) الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ؛ بِنَفْسِهِ؛ وَهُوَ الْأَحْسَنُ، أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ؛ عَالِمًا إِمَامًا فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ إِنَّ الْأَحْسَنَ لِلْإِمَامِ، أَنْ يُفَوِّضَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَا كَانَ يُبَاشِرُ الْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ، بِنَفْسِهِ [وَقَدْ كَانَ إِمَامًا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ -رحمه الله- هَذَا، وَفِي حَقِّنَا أَذَانُ الْإِمَامِ بِنَفْسِهِ] (٨) أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ، يَدْعُو إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ يَكُونُ أَعْلَى دَرَجَةً مِنَّا، فَهُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ، فَقَدْ أَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وأقام فِي (٩) بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَذَّنَ وأقام وَصَلَّى الظُّهْرَ» (١٠).


(١) أخرجه ابن ماجة في "سننه" (ص ٢٤٠) كتاب "الأذان والسنة فيها" باب "فضل الأذان وثواب المؤذنين" حديث رقم (٧٢٦)، وأبو داود في "سننه" (ص ٨٧) في كتاب "الصلاة" باب "من أحق بالإمامة" حديث رقم (٥٩٠). والحديث ضعيف لأن به الحسين بن عيسى الحنفي، وقد عده بن حجر من الضعفاء في "تقريب التهذيب" (١/ ١٦٨).
(٢) "المبسوط" للسرخسي (١/ ١٣٧ - ١٣٨).
(٣) " الفائق في غريب الحديث والأثر"، لِمؤلِّفهِ أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (المتوفى: ٥٣٨ هـ) وطبع في أربعة أجزاء، حققه: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم ونشرته: دار المعرفة - لبنان.
(٤) الفائق في غريب الحديث للزمخشري (١/ ٣٩١).
(٥) كذا في (أ)، والخليفي: أي الخلافة، وانظر: "مختار الصحاح، للرازي " مادة (خ ل ف)، (ص: ٩٥).
(٦) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤٣٣) في كتاب "الصلاة" باب "الترغيب في الأذان"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢/ ٣٧٠) في كتاب "الأذان" باب "في فضل الأذان وثوابه" حديث رقم (٢٣٤٨). وصححه بن حجر في"المطالب العالية" (٣/ ٨٤).
(٧) في (ب): (مباشر).
(٨) في هامش: (ب)
(٩) (في): ساقطة من (ب).
(١٠) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٤٣٣) في كتاب "الصلاة" باب "الترغيب في الأذان"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢/ ٣٧٠) في كتاب "الأذان" باب "في فضل الأذان وثوابه" حديث رقم (٢٣٤٨). وصححه بن حجر في"المطالب العالية" (٣/ ٨٤).