للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما قوله: إن حرمانه كان بطريق العقوبة فقلنا لا نسلم ما كان ذلك بطريق العقوبة عليه.

ألا ترى أنه يستوي فيه الخاطئ والعامد؛ وإن كان الخاطئ لا يستحق العقوبة وإنما حرمانه دفعًا للغيظ عن الورثة حتى لا يشاركهم في مال أبيهم مَنْ سعى إلى قتل أبيهم؛ وهذا ينعدم بإجازة الورثة.

وأما الصبي فهو بمعزل عن الغيظ لقصور عقله (١)؛ فلا يغيظ فعله الورثة مثل غيظ البالغ إياهم؛ فلذلك لم يثبت في حقه ما ثبت في حق البالغين من الحرمان، هذا مما أشار إليه في المبسوط (٢) والذخيرة (٣).

فحاصل الوصايا تنقسم على أربعة أوجه؛ منها ما يجوز أجازت الورثة أو لم تجز، وهي الوصية لأجنبي بثلث ماله أو بكل ماله ولا وارث له.

ومنها ما لا يجوز وإن أجازت الورثة؛ وهي الوصية للحربي بخلاف المستأمن والذمي حيث تجوز لهما الوصية استحسانًا.

ومنها ما يجوز إن أجازت الورثة وإلا فلا، وهي ما لو أوصى بأكثر من ثلث ماله لأجنبي أو أوصى لواحد من الورثة؛ فإنه لا يجوز إلا بإجازة الورثة وهم أصحاء بالغون.

ومنها ما يكون مختلفًا فيه وهي الوصية للقاتل (٤) فإن أجاز الورثة عندهما يجوز، وعند أبي يوسف لا يجوز وإن أجازت الورثة ذكره في الخلاصة (٥) (٦)، ويعتبر كونه وارثًا أو غير وارث وقت الموت حتى لو أوصى لأخيه ولا ابن له (٧) ثم ولد له ابن تصح وصيته لأخيه.


(١) في (ب): غيظه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) ينظر: المبسوط (٢٧/ ١٧٧، ١٧٨).
(٣) ينظر: المبسوط (٢٧/ ١٧٧، ١٧٨).
(٤) اختلف الفقهاء في جواز الوصية للقاتل، ولا فرق بين القتل العمد والخطأ في هذا.
فذهب الشافعية في الأظهر، وابن حامد من الحنابلة إلى جواز الوصية للقاتل، وبه قال أبو ثور وابن المنذر أيضا لأن الهبة له تصح، فصحت الوصية له كالذمي.
ويرى الحنفية وأبو بكر من الحنابلة عدم جواز الوصية له، لأن القتل يمنع الميراث الذي هو آكد من الوصية، فالوصية أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث فيمنعها ما يمنعه، وبه قال الثوري أيضا.
وفرق أبو الخطاب من الحنابلة بين الوصية بعد الجرح، والوصية قبله، فقال: إن وصى له بعد جرحه صح، وإن وصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية أبطلها، وهو قول الحسن بن صالح أيضا وهو المذهب.
قال ابن قدامة: هذا قول حسن، لأن الوصية بعد الجرح صدرت من أهلها في محلها، ولم يطرأ عليه ما يبطلها بخلاف ما إذا تقدمت، فإن القتل طرأ عليها فأبطلها، لأنه يبطل ما هو آكد منها.
وقال المالكية إن علم الموصي بأن الموصى له هو الذي ضربه عمدا أو خطأ صح الإيصاء منه، وتكون الوصية في الخطأ في المال والدية، وفي العمد في المال فقط، فإن لم يعلم الموصي فتأويلان في صحة إيصائه وعدمها. ينظر: بدائع الصنائع ٧/ ٣٣٨ - ٣٤٠، وحاشية الدسوقي ٤/ ٤٢٦، ومغني المحتاج ٣/ ٤٣، والمغني ٦/ ١١١، ١١٢، وكشاف القناع … ٤/ ٣٥٨.
(٥) هو خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل لحسام الدين علي بن أحمد المكي الرازي، وهو شرح على مختصر القدوري، توفي: سنة ٥٩٨. ينظر: كشف الظنون (٢/ ١٦٣١).
(٦) ينظر: خلاصة الدلائل (٢/ ٤٠٤) تحقيق أبي الفضل الدمياطي -كتاب الوصايا، لسان الحكام في معرفة الأحكام (ص: ٤١٧).
(٧) في (ج): ولابن له، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.