للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أنه يقدم جهازه وكفنه لحاجته إلى ذلك فكذلك قضاء الدين، ولا تصح وصية الصبي فإن الصبي إذا أوصى بوصية فوصيته باطلة سواء مات قبل الإدراك أو بعده عندنا، ولأنه نظر له تصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى، ثم قال الشافعي: على هذه النكتة: لا يلزمني عدم صحة إسلامه فإن إسلامه لا يصح بنفسه (١)، وقبول الهبة والصدقة لا يصح منه مع أن في كل منهما نظرًا له؛ لأن ما فيه منفعة للصبي إذا أمكن تحصيله له بوليه لا يعتبر فيه عقله ورشده، والإسلام يحصل له بغيره وكذلك قبول الهبة والصدقة، فأما اكتساب الأجر بالوصية فلا يمكن تحصيله له بغيره.

ولو لم ينفذ يبقى أي المال. على غيره أي على غير الصبي.

ولو قلنا بنفاذ وصيته كان ماله باقيًا على نفسه أي يحصل له بسبب الوصية إلى وجوه الخير نيل الزلفى والدرجة العليا فكان مبقيًا (٢) مالَ نفسه لنفسه بهذا الطريق، فكانت وصيته أولى من ترك وصية الإيفاع مرد آساشدن كودك.

يقال: أيفع الغلامُ أي ارتفع فهو يافع، ولا يقال: موفع، وهو من النوادر (٣)، وغلام يفَّاع بمعنى يافع وجمعه يُفعان (٤).

ولنا أنه تبرع أي أن الوصية بتأويل الإيصاء تبرع، فالصبي ليس من أهله كالهبة والصدقة، فإنهما لا يصحان من الصبي بالإجماع، فكذا الوصية؛ وهذا لأن اعتبار عقله فيما ينفعه دون ما يضره، ألا ترى أنه لا يعتبر عقله في حق الطلاق والعتاق؛ لأن ذلك يضره باعتبار أصل الوضع، فكذلك تمليك المال بطريق التبرع [فيه] (٥) ضرر باعتبار أصل الوضع، فإن تصور في الوصية منفعة فذلك باعتبار اتفاق الحال، وفي التصرفات يعتبر (٦) أصل الوضع لا الأحوال؛ لأن الطلاق قد ينفعه (٧) في بعض الأحوال بأن يطلق المرأة المعسرة ويتزوج بأختها (٨) الموسرة، ولم يعتبر ذلك فهذا مثله.

وأما الجواب عن قوله: إن ما فيه منفعة الصبي إذا لم يمكن تحصيله له بوليه [يعتبر فيه عقله ورشده، فقلنا: هذا غير مطرد (٩)؛ لأن منفعة الوصية كما لا يمكن تحصيلها له بوليه] (١٠)، كذلك منفعة الهبة والصدقة من حيث الأجر وصلة الرحم لا يمكن تحصيلها له أيضًا بوليه، ومع ذلك لا يصح ذلك منه، والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازًا، يعني كان هو بالغًا ولكن كان لم يمض على بلوغه زمان كثير، ومثله (١١) يسمى يافعًا بطريق المجاز.


(١) روضة الطالبين (٦ - ٩٧) نهاية المطلب (١١ - ٢٩٨).
(٢) في (ج): منتفيًا، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٣) ينظر: الصحاح تاج اللغة (٣/ ١٣١٠).
(٤) ينظر: المغرب (ص: ٥١٢).
(٥) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٦) في (ب): بغير، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٧) في (ج): إلا أن الطلاق قد تبعه، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٨) في (ج): المرأة، وما أثبت من (أ) و (ب) قريب منه.
(٩) في (ج): مضطر، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(١٠) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١١) في (ب): ومنه، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.