للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأما الربع والثمن فإنما يستحقان بالزوجية فيتناول اللفظ أدنى ما يستحق من السهام بالقرابة وهو السدس حتى لا يزاد على ذلك ولكن ينقص عنه إذا كان في سهام ورثته أقل من ذلك؛ لأنه إنما يوجب له مثل سهم أحد ورثته فلا يستحق إلا المتيقن به وهو الأقل؛ وهذا لأنه لما ذكر السهم دون الثلث عرفنا أنه ما أراد الثلث ولا النصف لأنه ليس له أن يوصي بالنصف فتعين به السدس مرادًا.

توضيحه أن أعدل الأعداد في خروج سهام الفرائض ستة فإنها تشتمل على ما يستحق من السهام بالقرابة الأصلية كالسدس والثلث والنصف والثلثين، فلذلك صار هو مرادًا لكونه أعدل [كذا في المبسوط] (١) (٢).

والمعرفة متى أعيدت يراد بالثاني عين الأول، كما أن النكرة متى أعيدت نكرة كان الثاني غير الأول لما عرف، فإن قلت يشكل على هذين الأصلين قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} (٣)، فالمراد من الأول القرآن ومن الثاني الكتاب المنزل قبل ذلك كالتوراة وغيرها، وكذلك قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} (٤)، فالمراد من الضعفين على أكثر الأقاويل حالة الطفولية والصغر أي خلقكم على صفة ضعف في الأول وهي حالة الصغر والطفولية، ثم جعل من بعد ذلك الضعف قوة أي حالة الشباب وبلوغ الأشد، فكانت الآية الأولى ناقضة للأصل الأول والثانية للثاني.

قلتُ: نعم كذلك، وهو الذي دعا الإمام المدقق فخر الإسلام إلى أن يقول: وفيه نظر إلا أن الأعم والأغلب هو استمرار ما ذكر من الأصلين.

ألا ترى أن من أقر بمائة درهم مضافة إلى صك وأشهد على ذلك شاهدين، ثم أقر بمائة مضافة إلى ذلك الصك وأشهد شاهدين أجمعوا أن الصك لو كان واحدًا يكون إقرارًا بمال واحد سواء كان ذلك في موطن أو موطنين.

وأما إذا أقر بمائة درهم بدون الصك وأشهد شاهدين ثم أقر بمائة في موطن آخر أو بأكثر أو بأقل وأشهد شاهدين، قال أبو حنيفة: يلزمه مالان ولم يجعل الثاني هنا عين الأول بخلاف ما إذا أقر بالمائة مضافة إلى الصك، حيث جعل الثاني عين الأول وما جاء الفرق بينهما إلا باعتبار أن المائة في المسألة الأولى كررت وهي معرفة وفي الثانية كررت وهي نكرة.


(١) ساقطة من (ب)، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) ينظر: المبسوط (٢٨/ ٨٨).
(٣) سورة المائدة: ٤٨.
(٤) سورة الروم: ٥٤.