للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الوصية لعبده بثلث ماله فعبارة عن إعتاق ثلث رقبته فلا يحتاج إلى هذا التعليل.

وعن هذا (١) قال في الذخيرة في جواز الوصية لأم ولده القياس والاستحسان لا في حق العبد، فقال: وإذا أوصى لأم ولده بثلث ماله في صحته (٢) أو في مرضه ثم مات، فإنه تصح الوصية لها من الثلث، وهذا استحسان، وكان القياس ألا تصح الوصية لأم الولد؛ لأن الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، فإنما تستحق هي الوصية متى جازت لها الوصية بعد موت مولاها، وبعد موت مولاها حال حلول العتق بها فالعتق يحلها وهي أمة فتستحق الوصية وهي أمة، والوصية لأمته باطلة أي بشيء غير رقبتها، إلا أنا جوزناها استحسانًا؛ لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقها لا حال حلول العتق بها بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حال الموصي أنه يقصد بالإيصاء (٣) وصية صحيحة لا باطلة.

والوصية [إنما تصح] (٤) أن لو كانت مضافة إلى ما بعد عتقها.

فإن قلت: إذا أوصى لأمهات أولاده وله أمهات أولاد عتقن في حياته وأمهات أولاده عتقن بموته، فالوصية للاتي عتقن بموته لا للاتي عتقن في حياته (٥)، هكذا ذكر المسألة في الفصل الثامن من وصايا الذخيرة، والقياس يقتضي أن ينعكس الحكم؛ لأن الوصية بالمال للحر لا للعبد فمن أين وقع هذا الفرق.

قلتُ: إنما وقع من قبل أن أم الولد إذا عتقت في حال الحياة صارت مولاة وتسمى في العرف مولاة لا أم الولد.

ألا ترى أنه لو لم يبق فيها معنى أمومية الولد وهو استحقاق العتق بموت المولى، فانصرفت الوصية إلى أمهات الأولاد وقت الموت لأنهن هن يفهن بأمهات الأولاد، وإن لم يكن له إلا أمهات أولاد عتقن في حياته فالوصية لهن؛ لأنه لم يوجد ههنا من هو أولى منهن وهو أمهات أولاده على الحقيقة.

فإن قلت: فهل تصح الوصية لعبده بالمال مطلقًا أم لا.

قلتُ: الوصية لعبده لا تخلو من أربعة أوجه، أما إن أوصى لعبده بدراهم [مسماة] (٦) أو بشيء من ماله مسمى نحو عرض أو دابة وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز، وأما إن أوصى له بشيء من رقبته نحو الثلث والربع فإنه يصح، والفرق بينهما [هو ما ذكرنا هو أن الوصية له بثلث رقبته بمنزلة إعتاقه ثلث رقبته والعبد أهل لأن تملك رقبته فيعتق] (٧) فتصح الوصية له بالرقبة كما تصح لغيره، وأما هو فليس من أهل أن يملك مالًا آخر سوى رقبته قبل العتق فلا تصح الوصية له بمال آخر، ثم لما صحت الوصية له بشيء من رقبته نصف أو ثلث أو نحوه عتق المسمى من رقبته وسعى في الفضل (٨) على قول أبي حنيفة: سواء كان الفضل على المسمى يخرج من ثلث ماله أو لا يخرج؛ لأن الإعتاق عنده منجز (٩) لأن الوصية له بنصف رقبته، وقول المولى له أعتقت نصفك سواء، وهناك يعتق المسمى لا غير عنده فكذا هنا (١٠)، وعندهما يعتق الكل من غير سعاية إذا كان يخرج من الثلث فكذا هنا، وأما إن أوصى له بثلث ماله فقد ذكرنا أنه جائز؛ لأن ذلك في المعنى بمنزلة وصيته بثلث رقبته؛ لأن رقبته من ماله، ولما جازت الوصية له بثلث رقبته باعتبار أنه عبارة عن إعتاق ثلث رقبته، فيجوز هناك كذا هنا، وأما إن أوصى لعبده بألف أو بألفين مرسلًا من غير إشارة إلى رقبته أو إلى دراهم مسماة فلا رواية في هذا عن أصحابنا؛ ولقائل أن يجعل ذلك بمنزلة الوصية بعين (١١) من أعيان ماله، ولقائل أن يجعله بمنزلة الوصية بالثلث، هذا كله من الذخيرة (١٢).


(١) في (ب): ولهذا، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٢) في (ب): وإذا أوصى بثلث ماله في صحته، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (أ): الأنصباء، وما أثبت من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٤) ساقطة من (ب)، وإثباتها من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٥) في (ج): لأن اللاتي عتقن بموته، وما أثبت من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٦) ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٧) ساقطة من (ج)، وإثباتها من (أ) و (ب) هو الصواب.
(٨) في (ب): رقبته، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٩) في (ب): يجري، وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(١٠) في (ب): يعتق المسمى لا غيره فكذا عنده، وما أثبت من (أ) و (ج) قريب منه.
(١١) في (أ): تعين، وما أثبت من (ب) و (ج) قريب من معناه.
(١٢) ينظر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٤٢).