للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الإنسان يتجنس بأبيه لأن الجنس عبارة عن النسب، والأنساب إنما تكون من جنس قوم أبيه لا من جنس قوم أمه؛ فإن إسماعيل - صلى الله عليه وسلم - كان من هاجر وكان من جنس قوم أبيه؛ وإبراهيم- رضي الله عنه -ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من جنس قريش؛ وأولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة فعلمنا أنهم يدخلون في هذا اللفظ دون عشيرة الأم كذا في المبسوط (١). ولو أوصى لأيتام بني فلان فاليتيم اسم لصغير مات أبوه لقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يتم بعد الحلم» (٢)؛ ولأن اليتيم عبارة عن الانفراد يقال: درة يتيمة أي لا نظير لها فهي منفردة؛ فمن انفرد عمن يربيه في حال حاجته إلى التربية كان يتيمًا، وبعد البلوغ قد استغنى عمن يربيه لقدرته على القيام بمصالح نفسه فلا يسمى يتيمًا.

فإن قيل: أليس أن الكفار كانوا يسمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتيم أبي طالب.

قلنا: هذا لطف من الله تعالى لنبيه فإنهم كانوا يسبون اليتيم وهو ليس بيتيم، فلا يتناوله بسبهم كما كانوا يسمونه مذممًا ويسبون المذمم، ولا يتناوله لأنه كان محمدًا، ثم يدخل فيه الغني والفقير ههنا لتحقق معنى اليتم في الفريقين كذا في وصايا الجامع الكبير (٣) لشمس الأئمة السرخسي:.

وقوله: وإن كانوا قومًا يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم؛ وإن كانوا لا يحصون فالوصية للفقراء منهم؛ ثم حد الإحصاء عن أبي يوسف: أن لا يحصوا الانكباب وحساب لهم لا يحصون.

وقيل: إذا كان لا يحصيهم المحصي حتى يلد فيهم مولودًا ويموت فيهم أحد فإنهم لا يحصون؛ وقال محمد: إذا كانوا أكثر من مائة فإنهم لا يحصون؛ وقال بعضهم: فهو مفوض إلى رأي القاضي وعليه الفتوى؛ والأيسر ما قاله محمد: كذا في فتاوى قاضي خان: (٤).

أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية.

فإن قيل: كيف فرق بين الأرامل والأيامى في حق الاسم والحكم المرتب عليهما حيث جعل الأرامل من أسماء الحاجة؛ وعدم الإحصاء فيهم غير مانع لصحة الوصية لهم؛ ولم يجعل الأيامى من أسماء الحاجة وجعل عدم الإحصاء فيهم مانعًا لصحة الوصية مع أن الأيم والأرملة اسمان مترادفان لامرأة لا زوج لها في اللغة.


(١) ينظر: العناية (١٠/ ٤٧٩)، البناية (١٣/ ٤٧٢).
(٢) أخرجه أبو داود في (سننه) كتاب الوصايا باب ما جاء متى ينقطع اليتم، (٣/ ١١٥ رقم الحديث: ٢٨٧٣)، والبيهقي في (السنن الكبرى) كتاب الحجر باب البلوغ بالاحتلام، (٦/ ٩٤ رقم الحديث: ١١٠٣٩). قال الألباني في (إرواء الغليل) (٥/ ٧٩): صحيح.
(٣) ينظر: شرح السير الكبير (١/ ٢١٠٥).
(٤) ينظر: الفتاوى الهندية (٦/ ١٤٤).