للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهُ وأعجبه).

صَحَّ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي النُّسَخِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَكَذَا لَفْظُ " الْمَبْسُوطَيْنِ " (١) وَفِي بَعْضِ نُسَخِ "الْهِدَايَةِ" (٢): ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَطْيَبَهَا وأعجبها بِالتَّأْنِيثِ وَلَيْسَ بِذَلِكَ (٣) وَلَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ تَحَرُّزاً عَنِ الْفَسَادِ؛ أَيْ: تَحَرُّزاً عَنْ فَسَادِ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِكَلَامِ النَّاسِ، لَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ بِالاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَإِنَّ الْأَدْعِيَةِ؛ الَّتِي تُشْبِهُ (٤) كَلَامَ النَّاسِ؛ إِنَّمَا تَفْسَدُ الصَّلَاةُ إِذَا كَانَتْ قَبْلَ تَمَامِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ؛ فَلَا تَفْسَدُ لِمَا أَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِ النَّاسِ، بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَا يُفْسِدُهَا فَكَيْفَ يَفْسَدُ مَا يُشْبِهَهُ؟.

وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله-؛ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ صُنْعٌ مِنْهُ (٥) فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ -رحمه الله-؛ فَكَانَ هُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ، الَّذِي يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ خَارِجاً عَنِ الصَّلَاةِ، لَا مُفْسِداً لِلصَّلَاةِ؛ إِذَا كَانَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وأشار إِلَى هَذَا فِي "شرح الطحاوي" (٦) -رحمه الله- أَيْضاً.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- (٧) كَلُّ مَا سَاغَ الدُّعَاءُ بِهِ، خَارِجَ الصَّلَاةِ، لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: «ثُمَّ اخْتَرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ» (٨) وَلَمْ يُفَصِّلْ.


(١) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٣٠).
(٢) في (ب): (البداية).
(٣) في (ب): (بذاك).
(٤) (تُشْبِهُ) ساقطة من (ب).
(٥) (مِنْهُ) ساقطة من (ب).
(٦) "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (١/ ٦٣٥ - ٦٣٦).
(٧) ينظر: " المجموع شرح المهذب؛ للنووي" (٣/ ٤٥٤).
(٨) أخرجه البخاري في"صحيحه" (١/ ٢٤٩)، كتاب الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، وأخرجه مسلم في "صحيحه" (ص ١٧٣)، كتاب الصلاة،، حديث (٤٠٢) بلفظ: (ثم يتخير من المسألة ما شاء)، وأخرجه أبي داود في"سننه (ص ١٢٢)، كتاب الصلاة' باب التشهد، حديث (٩٦٨)، وأخرجه النسائي في"سننه (٢/ ٥٨٨)، كتاب الصلاة، باب الإشارة بالأصبع في التشهد الأول، حديث (١١٦٢).