للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه-: (مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) (١) وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِعَيْنِهَا؛ بَلْ لِلتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، وَالْعَمَل بِهِ، وَحُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَسَمَاعُ الْقَوْمِ فَإِذَا (٢) اشْتَغَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِرَاءَةِ لَا يَتِمُّ هَذَا الْمَقْصُودُ.

وَهُوَ نَظِيرُ الْخُطْبَةِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا؛ الْوَعْظُ، وَالتَّدَبُّرُ (٣) وَذَلِكَ يَحْصُلُ (٤) بِأَنْ يَخْطُبَ الْإِمَامُ وَيَسْتَمِعُ الْقَوْمُ، لَا أَنْ يَخْطُبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (٥) لِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ؛ سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الْأَرْكَانِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي؛ لَمَا سَقَطَتْ بِهَذَا الْعُذْرِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا نَقُولُ إِنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِماً، وَفَرْضُ الْقِيَامِ، يَتَأَدَّى بِأَدْنَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الاسْمُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ تَصِيرُ صَلَاةُ الْقَوْمِ بِالْقِرَاءَةِ؛ كَمَا أَنَّ بِخُطْبَةِ الْإِمَامِ، تَصِيرُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعاً بِالْخُطْبَةِ.

وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- (٦) مِنْ قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رُكْناً فِي الابْتِدَاءِ، ثُمَّ مَنَعَهُمْ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ (٧) لَمَّا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ قَالَ: «مَالِي أُنَازِعُ الْقُرْآنَ» (٨).


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه" (٣/ ٢٧٨)، كتاب الصلوات، من كره القراءة خلف الإمام، حديث (٣٨٠٣) عن أبي نجاد، عن سعد قال: «وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة».
وقد ضعفه البخاري في"جزء القراءة " (١/ ١٣) بقوله: (وهذا مرسل وابن نجاد لم يعرف ولا سمي).
(٢) في (ب): (المقتدي فمتى).
(٣) في (أ): والتقدير، والمثبت من (ب).
(٤) (يَحْصُلُ) ساقطة من (ب).
(٥) (مِنْهُمْ) زيادة من (ب).
(٦) عبادة بْن الصامت بْن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي، أَبُو الْوَلِيد، شهد العقبة الأولى، والثانية وشهد بدرًا، واحدًا، والخندق والمشاهد كلها هو أحد النقباء الأثني عشر. حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ، وانَسُ بنُ مَالِكٍ، وأبو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ توفي عبادة -رضي الله عنهم- ٣٤ هـ بالرملة، وقيل: ببيت المقدس. انظر: "سير أعلام النبلاء للذهبي" (٢/ ٥) و "أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير " (٣/ ١٥٨) و "الطبقات الكبرى لإبن سعد" (٣/ ٤١٣).
(٧) الضمير يعود علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(٨) يشير إلي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟، فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إنّي أقولُ: مالي أُنازَعُ القرآنَ؟، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما جهر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه أبو داود في"سننه" (ص ١٠٩)، كتاب الصلاة، باب مَن رأى القراءة إذا لم يجهر، حديث (٨٢٦)، وأخرجه الترمذي في "سننه" (١/ ٤٠٨)، أبواب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، حديث (٣١٢)، وأخرجه النسائي في"سننه" (٢/ ٤٧٨)، كتاب الصلاة، ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به، حديث (٩١٨)، وأخرجه ابن ماجة في"سننه" (١/ ٢٧٦: ٢٧٧)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، حديث (٨٤٨) و (٨٤٩).
قال الترمذي: (هذا حديث حسن)، وقال النووي في"خلاصة الأحكام" (١/ ٣٧٨): (وأنكره عَلَيْهِ الْأَئِمَّة وَاتَّفَقُوا عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث، لِأَن ابْن أكيمَة مَجْهُول)، وانتهي ابن الملقن إلي توثيق (ابن أكمية) ورفع الجهالة عنه،، حيث قال في "البدر المنير، لابن الملقن" (٣/ ٥٤٥): (قلت: فقد زالت عنه الجهالة العينية والحالية برواية جماعة عنه، وتوثيق أبي حاتم بن حبان إياه، وإخراج الحديث في «صحيحه» من جهته، وتصحيح أبي حاتم الرازي حديثه وانه مقبول، وتحسين الترمذي له، وسكوت أبي داود عنه، فهو حسن كما قاله الترمذي، بل هو صحيح كما قاله ابن حبان، وتفرد ابن أكيمة به لا يخرجه عن كونه صحيحا لما علم من أنه لا يضر تفرد الثقة بالحديث، كيف وقد أخرجه إمام دار الهجرة في موطئه مع ما علم من تشديده وتحريه في الرجال، وقد قال الإمام أحمد: مالك إذا روى عن رجل لا يعرف فهو حجة. وقال سفيان بن عيينة: كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحاً و لا يحدث إلا عن ثقات).