للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وله أنه لا يمكنه أداء صلاة أخرى إلا بالخروج من هذه، فإنه لو تحرم للظهر، فلم (١) يخرج عنها حتى دخل وقت العصر لزمه أداء العصر، ولا يمكنه أداء العصر إلا بعد الخروج عن تحريمة الظهر؛ لأن العصر لا يتأدى بهذه التحريمة، فيكون الخروج عن تحريمة الظهر سببًا يتوصل به إلى أداء العصر والعصر فرض، فما يكون سببًا للوصول إليه يكون فرضًا كالانتقال من ركن إلى ركن في باب (٢) الصلاة عُدَّ من الأركان، وإن لم يكن ركنًا في نفسه، لكنه سبب يتوصل به إلى أداء الركن، فكذا هناهنا؛ لأنه مالم يبق الأول على الصحة لا يمكنه أداء الثاني لأن الترتيب فرض عندنا، ولا تخرج عن الأول على وجه يبقى الأول صحيحًا (٣) إلا بصنع يوجد منه، فكان الخروج بصنعه فرضًا على هذا الوجه (٤).

وهذه نكتة نقلت عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي رحمه الله (٥)، فإن قيل: لما كان الخروج بصنعة فرضًا لصلاة أخرى لا لعينة كان يجب أن يتم صلاته في هذه الصور بانقضاء مدة المسح، وإصابة المتيمم ماء ونحوهما لحصول ما هو المقصود من الصنع، وهو الخروج عن الأولى، فيسقط الصنع كالسعي إلى الجمعة لما كانت فرضية لإمكان أداء الجمعة لا لعينة سقط إذا (٦) أمكنه بدونه بأن حملة إنسان مكرها أو دخل مسجد الجامع قبل دخول الوقت، قلنا: الفساد هاهنا عند أبي حنيفة رحمه الله لا بسبب أنه فات الصنع، بل الفساد عنده في هذه المسائل بسبب آخر، وهو أنه أدى ما أدى مع الحدث، أما المتيمم إذا وجد الماء أو الماسح إذا انقضى مدة المسح، أو المستحاضة إذا برأت، فلأنه صار محدثًا بالحدث السابق، فاستندت صيرورته محدثًا إلى ذلك الوقت؛ لأن الحكم إذا ثبت متأخرًا عن العلة تستند إلى وقت العلة، كالملك في البيع بشرط الخيار إذا ثبت بمضي المدة استند إلى وقت البيع، فكذا هذا، وإذا استندت صيرورته محدثًا إلى الحدث السابق فسدت هذه الصلاة؛ لأنها حصلت مؤداة مع الحدث؛ لأن الاستناد يظهر في حقها؛ لأن حرمتها قائمة (٧)، كذا في مبسوط شيخ الإسلام.


(١) في (ب): ولن
(٢) تكرار في (أ) (في باب)
(٣) في (ب): على الصحة
(٤) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين: ١/ ٤٤٩.
(٥) هو: محمد بن محمد بن محمود الماتريدي، أبو منصور. نسبته إلى ماتريد محلة بسمرقند. من أئمة المتكلمين، وهو أصولي أيضًا. تفقه على أبي بكر أحمد الجوزجاني، وتفقه عليه الحكيم القاضي إسحاق بن محمد السمرقندي وأبو محمد عبد الكريم بن موسى البزدوي. من تصانيفه: (كتاب التوحيد)، و (مآخذ الشرائع) في الفقه، و (الجدل) في أصول الفقه.
ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ١٣٠)، و (الأعلام للزركلي: ٧/ ١٩)، و (معجم المؤلفين: ١١/ ٣٠٠).
(٦) في (ب): أو بدل من إذا
(٧) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين: ١/ ٤٤٩.