للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروي أيضًا عن كعب رضي الله عنه أنه قال: "لو علم المار ماذا عليه، لكان أن يخسف الله به الأرض خيرًا له" (١). كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٢)، وإنما يأثم إذا مرّ في موضع سجوده على ما قيل.

واختلف في الموضع الذي يكره المرور فيه منهم من قدرة بثلاثة أذرع، ومنهم بخمسة، ومنهم بأربعين، ومنهم بموضع سجوده، ومنهم بمقدار صفين أو ثلاثة، والأصح: إن كان بحال لو صلى صلاة خاشع لا يقع بصره على المار، فلا يكره نحو أن يكون منتهى بصره في قيامه إلى موضع سجوده وفي ركوعه إلى صدور قدميه، وفي سجوده إلى أرنبة أنفه، وفي قعوده إلى حجره، وفي سلامه إلى منكبيه. كذا ذكره الإمام التمرتاشي، وكذا اختار فخر الإسلام، ذلك أيضًا، وقال: إذا صلى راميًّا ببصره إلى موضع سجوده فلم يقع عليه بصره لم يكره، وهذا حسن.

وأما غيرهما كالإمام شمس الأئمة السرخسي، وشيخ الإسلام، وقاضي خان رحمه الله اختاروا ما اختاره صاحب الهداية بأن الموضع الذي يكره المرور فيه هو موضع السجود (٣).

قلت: ما ذكره فخر الإسلام والتمرتاشي أشبه إلى الصواب؛ وذلك لأن المصلي إذا صلَّى على الدكان ويحاذي أعضاء المار أعضاءه، فيكره المرور، وإن كان يمر أسفل الدكان، وأسفل الدكان (٤) ليس بموضع سجود المصلى على الدكان، فلذلك قال فخر الإسلام: وأنه حسن، وأن فخر الإسلام ما اختار شيئًا إلا وهو ممشّى (٥) في الصور كلها غير منقوض، وسيتلى عليك فيما يستقبل من محاسن اختياراته (٦).

ثم ذكر شيخ الإسلام هذا الحدّ الذي ذكرنا إذا كان الرجل يُصلّي في الصحراء، فأما في المسجد فالحد هو المسجد إلا أن يكون بينه وبين المار أسطوانة أو غيرها (٧).

قوله: ويحاذي/ أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان إنما شرط هذا، فإنه لو صلى على الدكان، والدكان مثل قامة الرجل، وهو سترة، فلا يأثم المار، وكذا السطح والسرير، وكل مرتفع، ومن مشايخنا من حده بقدر السترة، وهو ذراع، وهو (٨) غلط؛ لأنه لو كان كذلك لما كره مرور الراكب، وإن استتر بظهر إنسان جالس كان سترة، وإن كان قائمًا اختلفوا، وإن استتر بدابة، فلا بأس به، وقالوا: حيلة الراكب إذا أراد أن يمر ينزل، فيصير وراء الدابة، ويمرّ أو تصير الدابة ستره، ولا يأثم، وكذلك لو مر رجلان متحاذيان، فإن كراهة المرور، وأثمه (٩) يلحق الذي يلي المصلي. كذا ذكره الإمام التمرتاشي (١٠).


(١) رواه مالك في الموطأ (٥٢٧ - ٢/ ٢١٦).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٥١.
(٣) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٠٥، وبدائع الصنائع: ١/ ٢١٧، والبحر الرائق: ٢/ ١٦.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): يمشي
(٦) يُنْظَر: البحر الرائق: ٢/ ١٦.
(٧) يُنْظَر: شرح فتح القدير: ١/ ٤٠٦.
(٨) ساقط من ب
(٩) في (ب): زيادة إنما
(١٠) يُنْظَر: البحر الرائق: ٢/ ١٨.