للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثاني: ما حكي عن الكبير الفقيه أبي جعفر رحمه الله أنه قال: لأنه يشتبه على من عن يمينه وعن يساره حالة حتى إذا كان بجنبي الطاق عمودان وراء ذلك فرجة يطلع فيها من عن يمينه وعن يساره على حالة، فلا بأس به؛ لأن الإمام إنما كان إمامًا ليعلم بحالة، فيتحقق الإتمام به، وإنما هذا بالعراق؛ لأن محاربهم مجوفة مطوقة مبنية باللبن والآجر، وإن كانت قدماه خارجتين، فلا بأس به؛ لأن المعتبر مكان القدم، فإن الطويل إذا اقتدى بالقصير سبق الإمام رأسه عند السجود، واعتبار مكان الأقدام يوافق أصول أصحابنا بدليل أن (١) من حلف لا يدخل هذه الدار، فأدخل قدميه فيها حنث، ولو كانت عامة بدنه في الدار، وقدماه خارج الدار لم يحنث، وكذلك الصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارج الحرم يكون صيد الحرم، وكذلك المصلي إذا كانت قدماه على مكان نجس لا يجوز صلاته، ولو كانت قدماه على مكان طاهر وركبتاه ويداه على مكان نجس تجوز صلاته، فكذلك هاهنا كره إذا كان مقام الإمام في الطاق ولم يكره إذا كان مقامه خارج الطاق (٢). وقال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: من اختار الطريقة الأخيرة لم يكره عند الاشتباه، وإن كان مقام الإمام في الطاق بأن كان على جانبي الطاق فرجة، ومن اختار الطريقة الأولى قال: يكره في الوجهين جميعًا، وقال: وهذا هو الأوجه (٣) كذا ذكره الإمام المحبوبي، والإمام المرغيناني رحمه الله (٤).

ويكره أن يكون الإمام وحده على الدكان إنما قيد به؛ لأنه لو كان معه بعض القوم لا يكره، ثم إنما يكره عند الانفراد لما ذكره من تشبه صنيع أهل الكتاب بتخصيص الإمام، ولأنه تشبه اختلاف المكانين، فأما إذا كان الإمام أسفل الدكان والقوم على الدكان، فكذلك في ظاهر الرواية على ما ذكر من ازدراء الإمام (٥).

وذكر الطحاوي (٦): أنه لا يكره لزوال المعنى الأول وهو التشبه بصنيع أهل الكتاب، فإنهم لا يفعلون هكذا، ولم يذكر في الكتاب مقدار ارتفاع الدكان الذي يكره عنده، وذكر الطحاوي رحمه الله: أنه مقدر بقامة الرجل، وهكذا روي عن أبي يوسف رحمه الله، وقيل: بأنه مقدر بقدر ما تقع به الامتياز، وقيل: بأنه مقدر بقدر ذراع اعتبارًا بالسترة، وعليه الاعتماد. كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان (٧)، وذكر شيخ الإسلام: أن القوم إذا كانوا على الدكان إنما يكره إذا لم يكن فيه عذر،


(١) في (ب) أنه
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤١٢، ٤١٣.
(٣) في (ب): الوجه
(٤) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤١٢.
(٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع: ١/ ٢١٦.
(٦) هو: أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر: فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر. ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر، وتفقه على مذهب الشافعي، ثم تحول حنفيًّا. ورحل إلى الشام سنة ٢٦٨ هـ فاتصل بأحمد بن طولون، فكان من خاصته، وتوفي بالقاهرة. وهو ابن أخت المزني. من تصانيفه: (شرح معاني الآثار) في الحديث، و (بيان السنة) رسالة، وكتاب (الشفعة) وغيرهم.
(تاريخ دمشق: ٥/ ٣٦٨)، (الجواهر المضية: ١/ ١٠٢)، و (الأعلام للزركلي: ١/ ٢٠٦).
(٧) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤١٣.