للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق، وإنما أورد هذه المسألة هكذا؛ لأن من العلماء من كره هذا فقالوا: أما السيف فإنه آلة حرب، وفي الحديد بأس شديد، فلا يليق تقديمه في مقام الابتهال، وقيل: هو قول ابن عمر رضي الله عنه. وأما في استقبال المصحف فإنه فيه تشبها بأهل الكتاب، فإنهم كانوا يفعلون ذلك بكتبهم، وقيل: هو قول إبراهيم النخعي رحمه الله إلا أنا نقول: لا يفعلون ذلك عبادة، لكن ليقرءوا منه في صلاتهم، وذلك مكروه عندنا، ولأنه لو كان موضوعا أمام المصلي، فليس به بأس، فكذلك إذا كان معلقًا، وأما السيف قلنا: نعم، إنه آلة الحرب، لكن الموضع موضع الحرب، ولهذا سمي محرابًا، فيليق هو فيه، ولأنا أمرنا بأخذ الأسلحة في صلاة الخوف (١). قال رحمه الله: وليأخذوا أسلحتهم، فإذا كان معلقًا بين يديه كان أمكن من أخذه إذا احتاج إليه، فلا يوجب الكراهة، وقد كانت العنزة تحمل أمام رسول الله عليه السلام، وكانت تركز (٢) بين يديه، فيصلي إليها، وهي سلاح، فتبين أنه لا بأس بالسلاح بين يدي المصلي. كذا ذكره الإمام التمرتاشي والمرغيناني رحمهما الله (٣). ولا بأس بأن يصلي على بساطة فيه تصاوير، ذكر في «المغرب» (٤): التمثال ما تصنعه وتصوره مشبها بخلق الله تعالى من ذوات الروح، والصورة عام.

وأما قولهم: ويكره التصاوير والتماثيل، فالعطف للبيان، وإما تماثيل شجر فمجاز إن صح (٥).

قوله رحمه الله: وأطلق الكراهة في الأصل، أي: لم يفصل في «المبسوط» في حق الكراهة بين أن يسجد على الصورة أو لا يسجد، فإنه ذكر في مبسوط شيخ الإسلام رحمه الله (٦): فإن صلى على بساط فيه تماثيل، فإنه يكره؛ لأنه متى صلى عليه تشبه هذه الصلاة إلى (٧) الصورة.

وحقيقة الصلاة إلى الصورة حرام، فما يشبهها يكون مكروهًا، ولأن البساط الذي يعد للصلاة يعظم من بين سائر البسط، فيكون هذا نوع تعظيم للصورة، وقد أمرنا بالإهانة ثم قال: هكذا ذكر في الكتاب، وأطلق الجواب.

وذكر محمد (٨) رحمه الله في «الجامع الصغير»: أنه إذا كان في موضع سجوده يكره لما فيه من التعظيم له، فإن كان في موضع جلوسه، وقيامه لا يكره لما فيه من الإهانة، ولأن المصلي معظم كلاهما على لفظ اسم المفعول يعني السجدة التي يصلي فيها مستحقة للتعظيم، ونحن أمرنا بإهانة الصورة، وهي فيها لما روي مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن جبرئيل عليه السلام استأذن على رسول الله عليه السلام، فقال له: «أدخل»، فقال: كيف أدخل بيتا فيه ستر عليه تماثيل حيوان أو رجال، إما أن يقطع رءوسها أو يجعل بساطًا يوطأ إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتًا فيه كلب أو صورة (٩)؛ لأن الصغار جدا لا تعبد؛ لأنه قد كان على خاتم أبي موسى ذبابتان (١٠)، ولما وجد خاتم دانيال النبي عليه السلام على عهد عمر رضي الله عنه كان على فصّه أسد ولبوة وبينهما صبي يلحسانه، فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه أغر ورقت عيناه بالدموع ودفعه إلى أبي/ موسى الأشعري رحمه الله. وأصل ذلك أنه ألقي في غيضة وهو رضيع؛ لأنه حكي: أن بخت نصر حين استولى أخبر أن بعض ما يولد في زمانك يقتلك، فكان يتبع الصبيان فيقتلهم، فلما ولد دنيال عليه السلام ألقاه (١١) أمه في غيضة رجاء أن ينجو من القتل فقيض (١٢) الله له أسدا يحفظه ولبوة ترضعه، وهما يلحسانه، فأراد بهذا النقش أن يحفظ منة الله تعالى عليه (١٣)، وكان لابن عباس رضي الله عنه كانون محفوف بصور صغار (١٤). (١٥).


(١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤١٤.
(٢) في (ب): وكان يركز
(٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٦٧.
(٤) / ٢٥٧.
(٥) يُنْظَر: البحر الرائق: ٢/ ٢٩.
(٦) يُنْظَر: المبسوط للشيباني: ١/ ٢١٥.
(٧) في (ب): زيادة عبادة
(٨) ساقط من (ب).
(٩) رواه البخاري في صحيحه (٥٦١٥)، كتاب اللباس، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة. ومسلم في صحيحه (٢١٠٥)، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة.
(١٠) يُنْظَر: بدائع الصنائع: ١/ ١١٦.
(١١) في (ب): ألقته
(١٢) في هامش الأصل: قيض الله فلانًا، أي: جاء به، وأما حمله صحاح، إلى فقده له صحاح.
(١٣) يُنْظَر: تفسير روح البيان: ٢/ ٣٣٨.
(١٤) يُنْظَر: البحر الرائق: ٢/ ٣٠.
(١٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤١٥، ٤١٦.