للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «المبسوط» (١): وقيل: هذا إذا أمكنه قتل الحية بضربة واحدة كما فعله رسول الله عليه السلام في العقرب (٢)، فأما إذا احتاج إلى معالجة وضربات، فليستقبل الصلاة كما لو قاتل إنسانًا في صلاته؛ لأن هذا عمل كثير، ثم قال: والأظهر أن الكل سواء فيه؛ لأن هذا عمل رخّص فيه للمصلي فهو كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضئ.

قلت: وشمس الأئمة هذا رحمه الله خالف عامة رواية شروح الجامع الصغير، ورواية مبسوط شيخ الإسلام في موضعين في هذه المسألة أحدهما: أن في عامة رواياتها فرقوا بين الجني وغيره من الحيات، ولم يبيحوا قتل الجني، وهو أباح قتل جميع الحيات.

والثاني: أنهم لم يبيحوا العمل الكثير في قتلها، وهو جوز العمل الكثير في قتلها، ولم يأمر بالاستقبال.

قوله رحمه الله: ويكره عدّ الآي والتسبيحات في الصلاة اختلف المشايخ في محل الخلاف قال بعضهم: لا خلاف في المكتوبة أنه يكره، وإنما الخلاف في النوافل، ومنهم من قال: لا خلاف في النوافل أنه لا يكره، وإنما الخلاف في المكتوبة، كذا ذكره الإمام المرغيناني، والإمام المحبوبي (٣).

ثم في قوله: وعن أبي يوسف ومحمد: أنه لا بأس به إشارة إلى أن خلافهما ليس من ظاهر الرواية حيث ذكر بكلمة عن وكذا ذكر في شروح الجامع الصغير أجمع خلافهما بكلمة عنه وصدر الإسلام لم يذكر خلافهما أصلًا لفظًا (٤)، بل قال بعضهم: قالوا: هذا في الفرائض، وأما في النوافل فلا باس به فإنه جاء مثله عن النبي عليه السلام في تكرار السور في الصلاة، وتكرار التسبيح، ويحتاج إلى العد، والصحيح: أنه لا يباح العد أصلًا؛ لأنه ليس في الكتاب فصل بين الفرض وبين النفل، وقد يصير العدّ عملا كثيرًا، فيوجب فساد الصلاة، وما روي في الأحاديث: «من قرأ في الصلاة كذا كذا مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)} (٥) (٦)، «وكذا كذا تسبيحة» (٧)، فتلك الأحاديث لم يصححها الثقات. أما صلاة التسبيح قد أوردها الثقات، وهي صلاة مبارك فيها ثواب عظيم، ومنافع كثيرة، فإنه يقدر أن يحفظ بالقلب وإن احتاج يعد الأصابع حتى لا يصير عملًا كثيرًا (٨). وكذلك لم يذكر شمس الأئمة السرخسي خلافًا لهما، بل قال: وكان أبو حنيفة رحمه الله يكره عدّ الآي والتسبيح في الصلاة؛ لأن ذلك ليس من أعمال الصلاة، وقال عليه السلام: «إن في الصلاة لشغلا للمصلي» (٩)، أي: شغلًا للمصلي بأعمال الصلاة فلا ينبغي أن يشتغل بغيرها، ثم السلف كانوا يختلفون في عدّ الآي والتسبيح في غير الصلاة، فمنهم من كان يكره ذلك، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما رأى من يفعل ذلك قال: أتنبئون الله بما لا يعلم. وابن مسعود رأى رجلًا يفعل ذلك فقال: عدّ ذنوبك لتستغفر منها، وأنت مستغن عن عدّ التسبيح (١٠).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٥٦.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: بدء الخلق، باب قول الله تعالى: {وبث فيها من كل دابة} [البقرة: ١٦٤] (٣٢٩٧ - ٤/ ١٢٧).
(٣) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ٥٧.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) سورة الصمد الآية (١)
(٦) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٨٥٢ - ١٨/ ٣٣١). وقال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس، وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً عن ثابت. انظر: سنن الترمذي (٥/ ١٦٨).
(٧) رواه أحمد في مسنده (٢١٧٥٧ - ٥/ ١٩٦). رجاله رجال الصحيح. انظر: مسند أبي يعلى الموصلي (٢/ ٨).
(٨) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ٥٧، والبحر الرائق: ٢/ ٣١، ٣٢.
(٩) سبق تخريجه.
(١٠) يُنْظَر: تبيين الحقائق: ١/ ١٦٦.