للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي «المبسوط» (١): وقال الشافعي: الوتر ركعة واحدة (٢)؛ لقوله عليه السلام: «إن الله تعالى وتر يحب الوتر» (٣)، ولنا حديث عائشة رضي الله عنها في صفة قيام النبي عليه السلام، ثم (٤) يوتر بثلاث (٥)، وبعث ابن مسعود أمة لتراقب وتر رسول الله عليه السلام، فذكرت أنه أوتر بثلاث ركعات: قرأ في الأولى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (٦)، وفي الثانية: بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (٧)، وفي الثالثة: بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (٨)، وقنت قبل الركوع (٩).

وهكذا ذكر ابن عباس رضي الله عنه حين بات عند خالته ميمونة رضي الله عنها ليراقب وتر رسول الله عليه السلام (١٠)، ولما رأى عمر رضي الله عنه سعدًا يوتر بركعة، فقال: ما هذه البتيراء لتشفعنها أو لأؤذينك؟ (١١) وإنما قال ذلك؛ لأن الأثر اشتهر أن النبي صلى عليه السلام نهى عن البتيراء، ولأنه لو جاز الاكتفاء بركعة في شيء من الصلوات لدخل الفجر قصر بسبب السفر، ولا حجة له فيما روي؛ لأن الله تعالى وتر لا من حيث العدد (١٢).

ويقنت في جميع السنة خلافًا للشافعي فإنه يقول: لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان (١٣) لما روي أن عمر رضي لما أمر أُبي بن كعب رضي الله عنه بالإمامة في ليالي رمضان أمره بالقنوت (١٤) في النصف الأخير منه (١٥)، وتأويله عندنا أن المراد بالقنوت طول القراءة؛ لا القنوت في الوتر؛ ولقوله عليه السلام متصل بقوله: ويقنت في جميع السنة (١٦). والمعنى فيه: أنه ذكر زائد اختص بنوع من الصلوات، فيؤتى بهما في جميع الأحوال قياسًا على تكبيرات (١٧) العيد، ويقرأ في كل ركعة من الوتر هذا بالإجماع (١٨)، أما عندهم، فلأنه نفل وفي النفل يجب القراءة في الكل، وكذا على قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن الوتر عنده واجب، والواجب يحتمل أنه نفل، لكن يترجح جهة الفرضية بدليل فيه شبهة، فكان الاحتياط فيه هو وجوب القراءة في الكل، ولكن لا ينبغي أن يقرأ سورة معينة على الدوام؛ لأن الفرض هو مطلق القراءة بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (١٩)، والتعيين على الدوام يفضي إلى أن يعتقد بعض الناس واجبًا، وانه لا يجوز.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٢٩٩.
(٢) ينظر: الأم للشافعي ١/ ١٦٤، البيان ٢/ ٢٦٥.
(٣) رواه البخاري في صحيحه (٦٠٤٧)، كتاب الدعوات، باب لله مائة اسم غير واحد. ومسلم في صحيحه (٢٦٧٧)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ساقط من (ب).
(٥) رواه البيهقي في سننه الكبرى (٤٩٩٨ - ٣/ ٢٨)، والطبراني في المعجم الأوسط (٣١٤٧ – ٣/ ٢٨٠).
(٦) سورة الأعلى الآية (١).
(٧) سورة الكافرون الآية (١)
(٨) سورة الإخلاص الآية (١).
(٩) رواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠٢٤٩ – ١٠/ ١٤١) مختصرًا.
(١٠) سبق تخريجه.
(١١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٢٢٩.
(١٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٢٩٩.
(١٣) يُنْظَر: الحاوي الكبير ٢/ ٢٩١، فتح العزيز ٤/ ٢٤٤.
(١٤) قَنَتُوا لله أي أطاعوه، ومنه القُنوتُ أي الطاعة، وقانِتونَ أي مطيعون العين (٥/ ١٢٩).
(١٥) يُنْظَر: بدائع الصنائع: ١/ ٢٧٣.
(١٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٣٠ - ٤٣٣.
(١٧) في (ب): تكبيرة
(١٨) ينظر: تحفة الفقهاء ١/ ٢٠٢، البناية ٢/ ٤٩٢.
(١٩) سورة المزمل الآية (٢٠).