للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: وَلِهَذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِهَا.

هذا الإيضاح أن قراءة الفاتحة في الأخريين على وجه الأفضلية لا على وجه الوجوب فكان/ نفيًا لما ذكرنا من رواية الحسن، وذكر الإمام الولوالجي رحمه الله (١) في تعليل أفضلية

قراءة الفاتحة في الأخريين بقوله: ليكون مؤديًا الصلاة الجائزة بيقين (٢)، (٣).

قوله رحمه الله: وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا هذا إذا نوى أربع ركعات حتى يحتاج إلى التقييد بالمشهور، فإنا إذا شرع في التطوع بمطلق النية لا يلزمه أكثر من ركعتين بالاتفاق في جميع الروايات، كذا في «المحيط» (٤). وذكر في مبسوط شيخ الإسلام وغيره (٥): وإذا افتتح التطوع، ونوى أربع ركعات، ثم تكلم على رأس الركعتين بعدما قعد قدر التشهد، فإنه لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، وهو قول أبي يوسف الآخر فكان أبو يوسف رحمه الله يقول أولًا: بأنه يلزمه أربع ركعات، وهذا هو عين المسألة التي يأتي بعد هذا بخطوط في الكتاب، وهو قوله: ولو أفسد قبل الشروع في الشفع الثاني لا يقضي الأخريين، وعن أبي يوسف: أنه يقضي وكان قوله في المشهور عن أصحابنا احترازًا عن قول أبي يوسف الأول، فوجه قول أبي يوسف أن نية الأربع قارنت (٦) سبب الوجوب، فيلزمه الأربع قياسًا على النذر، فإنه لو نذر (٧)، وقال: لله عليّ صلاة، ونوى الأربع يلزمه الأربع، وإنما قلنا: قارن سبب الوجوب؛ لأنه قارنت الشروع، والشروع سبب ملزم كالنذور، وهما يقولان بأن النية في حق الشفع الثاني لم يقارن سبب الوجوب، فبقي مجرد النية (٨)، ومجرد النية لا أثر له في الإيجاب كما لو نوى أن يصلي، ولم يشرع لا يلزمه شيء، وإنما قلنا: بأن النية في حق الشفع الثاني لم يقارن سبب الوجوب؛ لأن سبب الوجوب شروع أو نذر ولم يوجد واحد منها في الشفع الثاني، وإنما وجد الشروع في الشفع الأول، والشروع فيه لا يوجب الشفع الثاني كما لو لم ينوِ الأربع، وذلك لأن الشروع إنما يلزم ما يشرع، وما لا بد لصحة ما شرع فيه منه كالركعة الثانية تلزمه، وإن لم يشرع فيها لما بينا، والشفع الثاني لم يوجد فيه مشروع ولا كان سببًا هو لصحة الشفع الأول، فإن الشفع الأول صحيح بدون الثاني حتى إن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول بخلاف قوله: لله عليّ صلاة، ونوى الأربع؛ لأن نية الأربع قارنت سبب الوجوب من حيث اللفظ؛ لأن اسم الصلاة كما يتناول الركعتين يتناول الأربع، فإذا نوى الأربع، فقد نوى ما يحتمله لفظه، فصار ما نوى كالمصرح به، فصار كأنه قال: لله عليَّ أن أصلي أربع ركعات، كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٩). ولهذا قالوا: يستفتح في الثالثة، أي: يقرأ قوله: سبحانك اللهم وبحمدك كما في ابتداء شروع كل صلاة، وفي هذا لف ونشر (١٠)، فإن قوله: وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ إيضاح للمدعي الأول، وهو قوله: أما النفل فلان كل شفع منه صلاة على حدة (١١)، أي: يقرأ قوله: سبحانك اللهم وبحمدك كما في ابتداء شروع كل صلاة، وفي هذا لف ونشر، فإن قوله: ولهذا لا كب بالتحريمة الأولى إلا ركعتان إيضاح للمدعي الأول، وهو قوله: أما النفل فلأن كل شفع منه صلاة على حده، وقوله: ولهذا قالوا: ستفتح في الثالثة (١٢).


(١) هو: عبد الرشيد بن أبي حنيفة نعمان بن عبد الرزاق بن عبد الله الولوالجي، ظهير الدين أبو الفتح، فقيه حنفي، قال أبو المظفر السمعاني: لقيته، وسمعت منه، وكان إمامًا، فقيهًا فاضلًا، حنفي المذهب، حسن السيرة، تفقه ببلخ على أبي بكر القزاز محمد بن علي، وعلي بن الحسن البرهان البلخي. من تصانيفه: "الفتاوى الولوالجية"، وكتب "الآمالي" عن جماعة من الشيوخ.
(الجواهر المضية: ٢/ ٤١٧)، و (الفوائد البهية: ص ٩٤، ١٢٢)، (معجم المؤلفين: ٥/ ٢٢٠).
(٢) - ساقط من ب في بيقين
(٣) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٣.
(٤) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٤٤.
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩١، والمحيط البرهاني: ٢/ ١٤٤.
(٦) -في ب قارن بدل من (قارنت)
(٧) النذر: إيجاب عين الفعل المباح على نفسه، تعظيماً لله تعالى، وقيل: التزام قربة، أو الوعد بخير خاصةٍ. انظر: التعريفات ص ٢٤٠، حاشية الشرواني على تحفة المنهاج ص ١٠/ ٦٧.
(٨) - ساقط في ب من (مجرد النية)
(٩) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩١، ٢٩٢، والمحيط البرهاني: ٢/ ١٤٤، ١٤٥.
(١٠) اللف والنشر: هو من المحسنات المعنوية، وهو ذكر متعدد على التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكل من غير تعيين ثقة بأن السامع يرده إليه. انظر: التعريفات ص ١٩٣، الكليات ٧٩٨.
(١١) انظر: المبسوط للسرخسي ١/ ١٥٩، المحيط البرهاني ١/ ٣١٤.
(١٢) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٤.