للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ولهذا قالوا: يستفتح في الثالثة إيضاح للمدعي الثاني، وهو قوله: والقيام إلى الثالثة كتحريمه مبتدأة، فإن قلت: على هذا كله شكل قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فإنهما يجوزان ترك القعدة الأولى من الشفع الأول في التطوعات، فلو كان كل شفع منها صلاة على حدة لما جازت تلك الصلاة لترك القعدة الأخيرة التي هي فرض (١).

قلت: القياس أن يفسد وهو قول زفر، ورواية عن محمد؛ لأن كل شفع من التطوع بمنزلة صلاة على حده بدليل وجوب القراءة في كل شفع، وبدليل أن فساد الشفع الثاني لا يوجب فساد الشفع الأول إذا كان قعد على رأس الثانية، فعلى هذا صار كل شفع بمنزلة صلاة الفجر، وصلاة الظهر للمسافر، ولو ترك القعدة فيها فسدت الصلاة، وإن ضم إليها شفعًا آخر كذا هذا، ولكن في الاستحسان لا تفسد، ويجب سجدتا السهو إذا كان ساهيًا لما أن التطوع كما شرع ركعتين شرع أربعًا أيضًا، فإذا ترك القعدة، وقام إلى الشفع الثاني أمكننا أن نجعل الكل صلاة واحدة، وفي الصلاة الواحدة من ذوات الأربع لا يفترض من القعدة إلا الأخيرة، وهي قعدة الختم والتحلل كما في الظهر بخلاف صلاة الفجر؛ لأن الفجر شرعت ركعتين لا غير، ويضم الشفع الثاني لا يصير الكل صلاة واحدة، وهذا الفقه وهو أن القعدة الثانية ليست من جملة الأذكار على ما مر/ ولكنها فريضة شرعت للختم وختم الفروض فرض، فلذلك لم يكن القعدة الأولى فرضًا؛ لأنها ليست بحالة الختم، فإذا قام إلى الثالثة هنا حتى صارت الصلاة من ذوات الأربع لم يكن حالة القعدة الأولى حالة الختم فلم يبق فرضًا كما في الفرض، ولا يقال: ينبغي على هذا أن يكون في حق القراءة كذلك حتى لا يجب القراءة في الأخريين كما في الفرض (٢)؛ لأنا قلنا: إنما اعتبر في حق القراءة بمنزلة صلاتين؛ لأن القراءة ركن مقصود في الصلاة شرعت لتعينها بدليل أنها شرعت في الركعة الأولى كسائر الأركان، وأما القعدة فما شرعت مقصودة لعينها بدليل أنها لم تشرع في الركعة الأولى، وإنما شرعت للتحلل أو للفصل بين الشفعين إلا أن ما يجب للتحلل يفترض، وما شرع للفصل يكون واجبًا، فإذا صارت الصلاة أربعًا سقط التحلل، وسقطت الفرضية فإن قيل: لو صار هذا بالقيام إلى الشفع الثاني بمنزلة صلاة واحدة كالظهر لما أمر بالعود إلى القعدة عند القيام إلى الثالثة كما في الظهر بل يؤمر هاهنا قلنا: إنما أمر بالقود ما لم يقيد بالسجدة؛ لأن هذا يشبه الظهر من وجه حتى أن الفساد في آخره يسري إلى الأول متى ترك القعدة ويفارقه من وجه حتى أن القراءة يجب في الشفع الثاني فكان في هذا تشابهًا للفجر فنقول: لشبهه بالفجر يعود إليها ما لم يقيد بالسجدة، وليشبهه بالظهر لا يؤمر بالعود إذا قيد الثالثة بالسجدة، ولم يفسد توفيرًا لكلا الشبهتين كذا ذكره شيخ الإسلام في باب الحدث من «المبسوط» (٣)، وصاحب المحيط (٤).


(١) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٥.
(٢) -ساقط في ب (ولا يقال: ينبغي على هذا أن يكون في حق القراءة كذلك حتى لا يجب القراءة في الأخريين كما في الفرض)
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٩١.
(٤) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٥٤.