للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن شرع في نافلة، أي: في صلاة نافلة، وكذلك الخلاف في الشروع في الصوم النفل والسلف رحمهم الله أوردوا هذه المسألة في كتاب الصوم اتباعًا للآثار لما أن الآثار في الحجج من الجانبين وردت في الصوم، ولكن القدوري رحمه الله لما رأى حكم المسألة فيها واحدًا أوردها فيما تقدم من ذكرها والمصنف رحمه الله اتبعه، واحتج الشافعي رحمه الله بقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (١)، والمتنفل محسن، وعن النبي عليه السلام: «الصائم المتطوع أمين نفسه» (٢)، وعنه عليه السلام: «أنه أتي بعس من لبن فشرب، وناول أم هانئ (٣)، فشربت ثم قالت: يا رسول الله إني كنت صائمة لكني كرهت أن أرد سؤرك فقال عليه السلام: أمن قضاء كنت تقضين؟ فقالت: لا فقال عليه السلام: إن شئت قضيته وإن شئت لا» (٤)، (٥).

ولأن المتنفل متبرع لما عليه فلا يلزمه ما لم يشرع به، ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرًا في أوله كمن شرع في صلاة التطوع ينوي أربعًا، فصلى ركعتين كان مخيرًا في الشفع الثاني، واحتج علماؤنا بقوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا … عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} (٦) الآية. فالله تعالى أخبر أن أهل الكتاب ابتدعوا رهبانية لم تكتب عليهم، ثم لم يرعوها حق رعايتها، ففسقوا، والرهبانية كانت هي الاعتزال عن الناس للعبادة أبدًا، فلولا أنها كانت سبب التزام لما ابتدعوا وإلا لما فسقوا بالترك، وشريعة من قبلنا يلزمنا ما لم يظهر نسخها (٧)، وقال الله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (٨)، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أصبحت أنا وحفصة (٩) صائمتين متطوعتين، فأهدي لنا حيس فأكلنا، فدخل رسول


(١) سورة التوبة (٩١).
(٢) رواه الترمذي في سننه (٧٣٢)، كتاب الصوم، باب إفطار الصائم المتطوع، من حديث أم هانئ رضي الله عنها. قال الشيخ الألباني: صحيح.
(٣) هي: فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية القرشية، المشهورة بأم هانئ: أخت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبنت عم النبي صلى الله عليه وسلم. يقال: اسمها هند، ويقال عاتكة. أسلمت عام الفتح بمكة، وهرب زوجها إلى نجران، ففرق الإسلام بينهما، فعاشت أيما. وماتت بعد أخيها " علي ". وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم ٤٦ حديثًا.
(الثقات لابن حبان: ٣/ ٤٤٠)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: ٨/ ٤٦)، و (الطبقات الكبرى: ٨/ ١٥١).
(٤) أخرجه أحمد في مسنده (٢٦٩٥٥ - ٦/ ٣٤٣)، والطبراني في المعجم الكبير (٩٩٠ - ٢٤/ ٤٠٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٨٦٢١ - ٤/ ٢٧٨). قال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
(٥) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٥٥، والمبسوط للسرخسي: ٣/ ١٢٤.
(٦) سورة الحديد الآية (٢٧).
(٧) انظر: بحر العلوم: ٣/ ٣٨٩.
(٨) سورة محمد الآية (٣٣).
(٩) هي: حفصة بنت عمر بن الخطاب، صحابية جليلة صالحة، من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولدت بمكة وتزوجها خنيس بن حذافة السهمي، فكانت عنده إلى أن ظهر الإسلام، فأسلما. وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها، فزوجه إياها، سنة اثنتين أو ثلاث للهجرة. واستمرت في المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفيت بها. روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين ٦٠ حديثًا.
(الثقات لابن حبان: ٣/ ٩٨)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: ٧/ ٥٨١)، و (الطبقات الكبرى: ٨/ ٨١).