للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عليه السلام فابتدرنا لنسأله فبدرتني حفصة، وكانت ابنة أبيها سباقة إلى الخيرات، فقال

عليه السلام: اقضيا يومًا مكانه» (١)، فإن كان (٢) هذا بعد حديث أم هانئ كان ناسخًا له، وإن كان قبله فتبين به أن المراد بقوله: فإن شئت فاقضه، وإن شئت فلا تقضيه تأخير القضاء وتعجيله، أو تبين به أن النبي عليه السلام خص أم هانئ رضي الله عنها بإسقاط القضاء عنها بقصدها إلى التبرك بسؤر رسول الله عليه السلام، وكأنها غفلت عن الصوم لفرط قصدها إلى التبرك كما أن أبا طيبة رض (٣) لما حجم رسول الله عليه السلام شرب دم رسول الله عليه السلام، فقال عليه السلام: «حرم الله جسدك على النار» (٤). وشرب الدم لا يوجب هذا، ولكنه لفرط المحبة غفل عن الحرمة فأكرمه رسول الله عليه السلام بما ذكر (٥).

وعن النبي عليه السلام: سأله الأعرابي عن أركان الدين؟ فبين له الإيمان والصلاة وغيرهما، فقال الأعرابي: هل عليّ غير هذا، فقال: «لا إلا أن تطوع» (٦) الحديث. فاستثنى رسول الله عليه السلام التطوع عن النفي، فكان إيجابًا كقوله: لا إلا أن تنذر، ولا يقال: معناه إلا أن تفعل ما ليس عليك لأنا نقول: نعم كذلك/ ولكن إذا فعل ما ليس عليه يصير عليه حفظه تحقيقا لحكم الاستثناء من النفي، ولأن من شرع في قربة كان قدر المشروع فيه عملًا على سبيل القربة، فيحرم عليه إبطاله، وبالخروج عما بقي يبطل ما مضى؛ لأنه مما لا يتجزئ، فيحرم بهذا الطريق حتى إذا كان لا يبطل لا يحرم، وما ذكر من الشروع في صلاة التطوع ينوي أربعًا، فصلى ركعتين من قبيل ذلك، فلذلك لا يحرم، فإن قيل: إن العبادة لا تتم (٧) قربة إلا بآخرها؛ لأنها لا تتجزئ، ولما توقف الجزء الأول على الآخر؛ ليصير قربة لم يحرم عليه إبطال ما صنع كالذي أخرج المال للصدقة، وقال للفقير: تصدقت به عليك لم يلزمه التسليم، وإن كان ما وجد من جملة القرب. قلنا: إذا شرع في الصوم أو الصلاة فهو متقرب إلى الله تعالى بفعل الصوم والصلاة، والفعل حاصل (٨)، وهو الكف أو القيام إلى الصلاة، وإنما عدم ما يسمى صومًا وصلاة، فأما الصدقة شرعت قربة لما فيه من صلة الفقير وأغنيائه، ومن هذا الوجه لم يثبت منه شيء (٩) قبل التسليم، وإنما يثبت إذا سلم، وفيه شبهة أخرى تذكر في مسألة ما إذا شرع التطوع قائمًا، ثم قعد (١٠).


(١) رواه الترمذي في سننه (٧٣٥)، كتاب الصوم، باب إيجاب القضاء عليه. قال الألباني: ضعيف.
(٢) - في ب كانت بدل من كان
(٣) هو: أبو طيبة الحجام، مولى الأنصار من بني حارثة، حجم النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف في صحة اسمه، فقيل: اسمه دينار، وقيل: اسمه ميسرة، وقيل: اسمه نافع.
(الجرح والتعديل: ٩/ ٣٩٨)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: ٧/ ٢٣٣)، و (المؤتلف والمختلف: ٢/ ١٠٤).
(٤) ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير (١/ ١٦٨).
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي: ٣/ ١٢٤، ١٢٥.
(٦) رواه البخاري في صحيحه (١٧٩٢)، كتاب الصوم، باب وجوب صوم رمضان. ومسلم في صحيحه (١١)، كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام. من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
(٧) - في ب إلا بدل من تتم
(٨) - في ب صوم بدل من حاصل
(٩) في ب شيئ منه بدل شيئ منه.
(١٠) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٣.