للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر شيخ الإسلام، وصاحب «المحيط» (١): ثم إذا كثرت الفوائت حتى سقط الترتيب لأجلها في المستقبل سقط الترتيب في نفسها أيضًا حتى، قال أصحابنا: فيمن كان عليه صلاة شهر، فصلى ثلاثين فجرًا، ثم صلى ثلاثين ظهرًا (٢) هكذا إلى آخرها أجزأه، ولم يوجد الترتيب في أنفسها هاهنا؛ لأن فجر اليوم الثاني حصل قبل الظهر والعصر، وهذا مروي عن أصحابنا بخلاف ما يقوله العوام: إنه يراعي الترتيب في الفوائت، وليس كذلك لما أن الفوائت عند كثرتها لما أسقطت الترتيب في اعتبارها، فلأن يسقط في نفسها كان أولى، وشبهه الإمام مولانا بدر الدين الكردري رحمه الله بالضرب، فإن الضرب إذا أثر في غير موضع الضرب إيلامًا؛ لأن يؤثر في موضع الضرب إيلامًا أولى، ثم كثرة الفوائت عندنا ست صلاة على ما ذكرنا باعتبار أن واحدة منها يصير (٣) مكررة، وهذا يرجع إلى ضيق الوقت أيضًا، فلو أمرناه بمراعاة الترتيب مع كثرة الفوائت لفاته فرض الوقت عن وقته، ولكن لا يشترط عندنا في حق كثرة الفوائت حقيقة خوف فوت فرض الوقت، فإنه لما دخلت في حد الكثرة سقط الترتيب حتى لو قدر على (٤) أداء الكل في الوقت لا يلزمه مراعاة الترتيب،

وعن زفر رحمه الله: أنه يلزمه مراعاة الترتيب في صلاة شهر، فكأنه جعل حد الكثرة أن يزيد على شهر، وكان بشرًا المريسي (٥) يقول: من ترك/ صلاة لم تجزه صلاته في عمره بعد ذلك ما لم يقضها إذا كان ذاكرًا لها؛ لأن كثرة الفوائت يكون عن كثرة تفريطه، فلا يستحق به التخفيف، وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: يلزمه مراعاة الترتيب في صلاة سنة، فجعل حد الكثرة ما زاد على السنة، ولكنا نقول: لو اشتغل بالمتروكة عند ضيق الوقت بفوت الوقتية عن الوقت، فكان أداء الوقتية في الوقت أولى من قضاء الفائتة؛ لأنه (٦) عمل بالكتاب، أو لأنه أداء في وقته في (٧) كثرة الفوائت في معناه، فالتحقت به، ولكن هي مختلفة في نفسها بين كثرة وكثرة، فأقيم الدخول في حد التكرار مقام الكثرة؛ لأنه دليلها يفنى للجرح (٨)، فبعد ذلك لم نعتبر (٩) أن ذلك بسبب التقصير منه، أو بغير تغير (١٠) التقصير، كما في السفر لما أقيم مقام المشقة لم نعتبر خروجه للمعصية، أو للطاعة في حق الترخص، كذا في «المبسوط» (١١) وغيره (١٢). وذلك في الأول، أي: في خروج وقت السادسة رحمه الله (١٣)، ولو اجتمعت الفوائت القديمة، والحديثة، اعلم أن الفوائت نوعان قديمة، وحديثه، فالحديثة تسقط الترتيب بلا خلاف، وفي القديمة اختلاف المشايخ (١٤).


(١) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٧.
(٢) - ساقط من ب (صلى ثلاثين ظهرًا)
(٣) - ساقط من ب (يصير)
(٤) - ساقط من ب (على)
(٥) هو: بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة (المريسية) القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد. وكان جده مولى لزيد بن الخطاب. وقيل: كان أبوه يهوديا. وهو من أهل بغداد ينسب إلى (درب المريس) فيها. عاش نحو ٧٠ عاما. له تصانيف.
(تاريخ بغداد: ٧/ ٥٦)، و (سير أعلام النبلاء: ١٠/ ١٩٩)، و (لسان الميزان: ٢/ ٢٩).
(٦) - في ب لا بدل من لانه
(٧) - في ب ثم بدل من في
(٨) - في ب نفي للجرح بدل من يفنى للجرح
(٩) - في ب يتغير بدل من نعتبر
(١٠) - في ب تغير بدل من بغير
(١١) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٢.
(١٢) انظر: بدائع الصنائع: ١/ ١٣٥.
(١٣) - ساقط من ب (كذا في «المبسوط» وغيره، وذلك في الأول، أي: في خروج وقت السادسة رح).
(١٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩١.