للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتفسير القديمة: رجل ترك صلاة شهر مجانة، وفسقًا ثم ندم على ما صنع، واشتغل بأداء الصلوات في مواقيتها فقبل أن تقضي تلك الفوائت ترك صلاة ثم صلى صلاة أخرى، وهو ذاكر لهذه المتروكة الحديثة. قال بعض المتأخرين: من مشايخنا لا يجوز هذه الصلاة، ويجعل الماضي كأن لم يكن احتياطًا (١)، وزجرًا عن التهاون، وأن لا يصير المعصية، وسيلة إلى التخفيف، والتيسير (٢). وبعضهم قالوا: يجوز، وعليه الفتوى؛ لأن الاشتغال بهذه الفائتة ليس بأولى من الاشتغال بتلك الفوائت، والاشتغال بالكل يفوت الوقتية عن وقتها، كذا في «المحيط» (٣).

وجعل الصدر الشهيد القول الأول صحيحًا ذكره في «الجامع الصغير»، وقال: [قال] بعضهم: لا يجوز، وهو الصحيح لما ذكره الأولون من الدليل (٤).

قوله: وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فإن قلت: لما سقط الترتيب بكثرة الفوائت، فكيف يعود عند القلة مع أن الساقط لا يعود.

قلت: هذا من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته، وثبوت الحكم عند زوال المانع؛ وذلك لأن سقوط الترتيب كان بعلة الكثرة المفضية إلى الحرج، فلما قلت: الفوائت لم يبق الحرج، فعاد الحكم الذي قبله، وكان هذا عين نظير حق الحضانة (٥)، فإنه إذا ثبت لمحرم الصغير من النساء يسقط ذلك الحق بالتزويج، ثم إذا ارتفعت الزوجية يعود الحق الذي كان سقط بالتزوج لزوال المانع فكذا هنا (٦)، ولكن هذا الذي اختاره المصنف رحمه الله في الكتاب (٧) خلاف ما اختاره شمس الأئمة السرخسي رحمه الله (٨)، وفخر الإسلام، وصاحب «المحيط» قاضي خان (٩)، وصاحب المغني، وغيرهم (١٠).


(١) - ساقط من ب (احتياطاً).
(٢) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩١، ٤٩٢.
(٣) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٨.
(٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٢.
(٥) الحضانة: تربية وحفظ الصبي، وتعهده بغسله، وغسل رأسه وثيابه وخرقته، وتطهيره عن النجاسات، وتدهينه، وتكحيله، وإضجاعه في المهد، وربطه، وتحريكه في المهد لينام .... التهذيب ٤/ ٤٤٤، العزيز ٦/ ١٢٣، معجم لغة الفقهاء ص ١٨١.
(٦) - في ب هذا بدل من هنا
(٧) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٣.
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٢٨٢.
(٩) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٧.
(١٠) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٣، والجوهرة النيرة: ١/ ٦٨.