للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المحيط» (١): ثم في كل موضع سقط الترتيب بحكم كثرة الفوائت، ثم عادت الفوائت إلى القلة بالقضاء هل يعود الترتيب؟ عن محمد فيه (٢) روايتان، وقد اختلف المشايخ فيه بيانه أنه إذا ترك صلاة شهر وقضاها إلا صلاة أو صلاتين، ثم صلى صلاة دخل وقتها، وهو ذاكر لما بقي عليه. بعض مشايخنا (٣) قالوا: لا يجوز، وإليه مال الفقيه أبو جعفر رحمه الله، وبعضهم قالوا: يجوز، وإليه مال الشيخ أبو حفص الكبير رحمه الله وعليه الفتوى، وعلل فقال: الترتيب قد سقط، والساقط لا يحتمل العود كما قلنا في ماء قليل نجس دخل عليه الماء الجاري حتى كثر وسال، ثم عاد إلى القلة لا يعود نجسًا، والمعنى ما قلنا: إنه سقط اعتبار النجاسة بالسيلان، والساقط لا يحتمل العود كذا هاهنا، وكذا ذكره شمس الأئمة، وفخر الإسلام (٤)، فإن قلت: يشكل على ما اختاره هؤلاء من عدم عود الترتيب مسألة سقوط الترتيب بالنسيان، وضيق الوقت، فإنه يعود الترتيب هناك بالاتفاق عند وجود التذكر وسعة الوقت مع أن السقوط ثابت في الثلاثة جميعًا، فما وجه الفرق بينهما لهؤلاء المبرزين على غيرهم؟

قلت: قال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله في «الجامع الصغير»: والأصح عندي أن الترتيب إذا سقط بكثرة الفوائت لا يعود إذا قلَّت لما أنه سقط مراعاة الترتيب في هذه الصلوات، والساقط يكون متلاشيًا، فلا يتصور عوده، فإما بسبب النسيان/ وضيق الوقت ما سقط مراعاة الترتيب لكنه يعذر للعجز أما عجز الناسي، فلما يذكروا أما العجز عند ضيق الوقت، فلئلا يلزم إبطال الحكم الثابت بالكتاب، وخبر المتواتر بسبب الاشتغال بموجب خبر الواحد، فلما خرج الوقت انعدمت تلك الضرورة، فوجد إمكان الجمع بين العمل بموجب خبر الواحد، وموجب الكتاب على ما مرَّ، وخبر الواحد موجب العمل متى أمكن العمل به من غير تضمن إبطال شيء أقوى منه من الكتاب، وخبر المتواتر وقد أمكن، فوجب العمل، فكان عود وجوب الترتيب عند سعة الوقت من ضرورة وجوب العمل بخبر الواحد عند الإمكان، وهذا ظاهر إذا خرج الوقت، ولم يكن أداء بعض صلاته في الوقت. وأما إذا كان أداء بعضها في الوقت بأن غربت الشمس، وهو قد أدّى بعض صلاة العصر الوقتية، وعليه صلاة أو صلاتان قبلها فائتة، وهو ذاكر لها (٥). قال شمس الأئمة السرخسي في نوادر صلاة «المبسوط» (٦): فإن غربت الشمس، وهو في العصر فإنه يتمها، وطعن عيسى رحمه الله في هذا، وقال: الصحيح أنه يقطعها بعد غروب الشمس، ثم يبدأ بالظهر، ثم بالعصر؛ لأن ما بعد غروب الشمس الوقت قابل الظهر، والمعنى المسقط لمراعاة الترتيب ضيق الوقت، وقد انعدم بغروب الشمس؛ لأن الوقت قد اتسع فهو بمنزلة ما لو افتتح العصر في أول الوقت، وهو ناس للظهر ثم تذكر، وقد بيّنا هناك أنه يلزمه مراعاة الترتيب، فكذلك في هذا الموضع، وهذا لأن ما يعترض في خلال الصلاة يجعل كالموجود عند افتتاحها كالمتيمم إذا وجد الماء، والعاري إذا وجد الثوب، ثم قال: وما ذكره عيسى فهو القياس، ولكن محمدًا استحسن فقال: لو قطع صلاته بعد غروب الشمس كان مؤديًا جميع العصر في غير وقتها، ولو أتمها كان مؤديًا بعض (٧) العصر في وقتها، وكما يسقط (٨) مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء جميع العصر في وقتها يسقط (٩) مراعاة الترتيب لحاجته إلى أداء بعض العصر في وقتها يوضحه أنه في الابتداء كان مأمورًا بالشروع في العصر (١٠)، وإن كان يعلم يقينًا أن الشمس تغرب قبل فراغه منها، ولو كان هذا المعنى مانعًا له من إتمام العصر لكان تيقنه به عند الشروع مانعًا له من افتتاح العصر واحد لا يقول: إنه لا يفتتح العصر عند ضيق الوقت، وإن كان الحال هكذا يوضحه (١١) أن عند ضيق الوقت قد سقط عنه مراعاة الترتيب في هذه الصلاة، وبعدما سقط الترتيب، وفي صلاة لا يعود في تلك الصلاة بخلاف حالة النسيان، فهناك الترتيب غير ساقط عنه (١٢)، ولكنه يعذر بالجهل، فإذا زال العذر قبل الفراغ من الصلاة بقي عليه مراعاة الترتيب كما كان؛ لأنه لما زال العذر (١٣) في خلال الصلاة صار كأن لم يكن وكذا لو تذكر الظهر بعد شروعه في العصر بعدما غربت الشمس، فإنه يفسد عصره، وإن افتتح العصر في أول وقتها، وهو ناسٍ للظهر، فلما صلى منها ركعة احمرت الشمس، ثم تذكر أن الظهر عليه، فإنه يمضي فيها؛ لأن شروعه في العصر قد صح في الابتداء؛ لكونه ناسيًا للظهر، وإنما تذكر بعدما احمرت الشمس، ومراعاة الترتيب ساقطة عنه في هذه الحالة، فكان وجود تذكره، وعدمه بمنزلة؛ لأنه لو قطعها لكان مستقبل العصر، ولا فائدة في القطع، ثم الشروع إذا الشروع كان صحيحًا بخلاف ما إذا افتتحها، وهو ذاكر للظهر على ما مر (١٤).


(١) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٨.
(٢) - ساقط من ب (فيه)
(٣) - في ب المشايخ بدل من مشايخنا
(٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٤٩٣.
(٥) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٣٥، والفتاوى الهندية: ١/ ١٢٣.
(٦) انظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٦١.
(٧) - في ب جميع بدل من بعض
(٨) - في ب سقط بدل من يسقط
(٩) - ساقط من ب (يسقط)
(١٠) - ساقط من ب (في العصر)
(١١) - في ب توضيحة بدل من يوضحه
(١٢) - في ب ماسقط عنه بدل من ساقط عنه
(١٣) - ساقط من ب (قبل الفراغ من الصلاة بقي عليه مراعاة الترتيب كما كان؛ لأنه لما زال العذر)
(١٤) انظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٦١.