للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ تَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ.

وهذا مذهبنا، وقال الشافعي رحمه الله: لا يلزمه (١)، واحتج في (٢) ذلك بما روى أبو قتادة رضي الله عنه (٣): أن النبي عليه السلام كان يسمعنا الآية، والآيتين في الظهر والعصر، ولأن المتروك سُنّة، فلا يلزمه سجدتا السهو كما في تكبيرات الخفض، والرفع، وتسبيحات الركوع، والسجود؛ وذلك لأن الجهر، والمخافتة هيئة من هيئات القراءة لا من أصل القراءة يكون سنة كهيئات الفعل نحو أخذ الركب، وهيئة القعدة (٤)، واحتج علمائنا بما روى ثوبان رض عن النبي عليه السلام أنه قال: «لكل سهو سجدتان بعد السلام» (٥)، ولم يفصّل فهو على الكل إلا ما قام الدليل، والمعنى فيه أن المتروك واجب؛ لأن الجهر على الإمام فيما يجهر بالقراءة واجب؛ ليستمع القوم قراءته/ لأن قراءة الإمام أقيمت مقام قراءة المقتدي لوجود المقصود، وهو الاستماع، ولما قام مقام القراءة وجب أن يكون فرضًا، فلا يتقاعد عن أن يكون واجبًا، وكذلك المخافتة واجبة على الإمام؛ لأن المخافتة في الأصل شرعت لصيانة القرآن عن مغالطة الكفرة (٦) ألا ترى أن النبي عليه السلام كان يجهر في الصلوات كلها، فلما كان الكفار يلغون النبي عليه السلام، ويغلطونه على ما قال تعالى: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (٧) أمر بالمخافتة (٨)، ولهذا شرع في صلاة النهار دون الليل لانهم كانوا نيامًا في صلاة الليل، فدل على أنها شرعت لصيانة القرآن، وصيانة القرآن عن مثل هذا واجبة، وأما أخذ الركب وغيره، فليس فيه ما يدل على الوجوب مع (٩) أنه قال عمر رضي الله عنه: "سنَّت لكم الركب، فحذوا بالركب" (١٠)، فقيس عليه هيئة سائر الأفعال بخلاف الجهر، والمخافتة (١١).


(١) ينظر: الحاوي الكبير ٢/ ١٥٠، البيان ٢/ ٣٣٦.
(٢) - ساقط من ب (في)
(٣) هو: الحارث، وقيل: النعمان، وقيل: عمرو، ابن ربعي الأنصاري الخزرجي السلمي، أبو قتادة: صحابي من الإبطال الولاة اشتهر بكنيته. وكان يقال له (فارس رسول الله)، وفي حديث أخرجه مسلم: «خير فرساننا أبو قتادة». شهد الوقائع مع النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من وقعة أحد. ولما ولي عبد الملك بن مروان إمرة المدينة، أرسل إليه ليريه مواقف النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه وأراه. ولما صارت الخلافة إلى علي، ولاه مكة. وشهد صفين معه. ومات بالمدينة.
(التاريخ الكبير: ٢/ ٢٥٨)، و (الإصابة في تمييز الصحابة: ٧/ ٣٢٧)، و (الطبقات الكبرى: ٦/ ١٥).
(٤) انظر: العناية شرح الهداية: ١/ ٥٠٥.
(٥) أخرجه أبو داود في سننه (١٠٤٠) (١/ ٢٧٢)، كتاب الصلاة، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس. من حديث ثوبان رضي الله عنه، وأحمد في مسنده (٣٧/ ٩٧) برقم (٢٢٤١٦)، وقال ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (١/ ٢٠٧): "وفي إسناده اختلاف قال الألباني: حسن.
(٦) - في ب الكثرة بدل من الكفرة
(٧) سورة فصلت الآية (٢٦).
(٨) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت (١/ ١٥١) رقم الحديث: ٧٦٣.
(٩) - مكرر في ب (وغيره، فليس فيه ما يدل على الوجوب مع)
(١٠) رواه النسائي في سننه (١٠٣٤)، كتاب صفة الصلاة، باب الإمساك بالركب في الركوع. قال الألباني: صحيح الإسناد.
(١١) انظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٤٩.