للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ومن صلى في السفينة) (١) قيّد بها؛ لأنّه لو صلى على العجلة، وهي على الدابة لا يجوز، [أي: عند عدم العذر] (٢)، وقيّد بقوله: (قاعدًا)؛ لأنه لو صلى المسافر فيها بالإيماء لا يجوز سواء كانت الصلاة مكتوبة، أو نافلة لا يمكنه أن يسجد فيها، فلا يعذر في تركه، والإيماء إنما شرع عند العجز، وهذا قادر. وقيّد بقوله: (من غير عذر)؛ لأنّ عند العذر يجوز الصلاة قاعدًا بالاتفاق، ثم أطلق عدم العذر، ولم يقيد بأنّ المراد به عدم دوران الرأس؛ إذ وجود قدرة الخروج إلى الشط ليبقى مطلقًا، فإنّ الصلاة فيها قاعدًا يجوز عند أبي حنيفة -رحمه الله-، وإن كان قادرًا على القيام، أو قادرًا على الخروج إلى الشَّطّ، ثم ينبغي للمصلي فيها أن يتوجّه [إلى] (٣) القبلة كيف ما دارت السفينة، سواء كان عند افتتاح الصلاة، أو في خلال الصلاة؛ لأنّ التوجّه فيها فرض عند القدرة، وهذا قادر فيتوجّه؛ لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (٤) بخلاف راكب الدابة؛ لأنّه عاجز عن استقبال القبلة حتّى [أنّ] (٥) راكب الدابة إن كان يسير نحو القبلة، فأعرض عن القبلة لم تجز صلاته (٦). كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي (٧) -رحمه الله- (٨).

ثم ما قاله أبو حنيفة -رحمه الله- استحسانًا، وما قالاه قياسًا؛ فوجه القياس: أن السفينة كالبيت في حق راكب السفينة، بدليل: أنّه يلزمه استقبال القبلة، ولا تجوز صلاة التطوع فيها بالإيماء مع القدرة على الركوع والسجود، كما في البيت؛ لأنّ سقوط القيام في المكتوبة للعجز والمشقة، وقد زال ذلك؛ لقدرته على القيام، أو الخروج.


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٧٧.
(٢) ما بين معكوفين ساقط من (أ).
(٣) [إلى] ساقط من (أ).
(٤) سورة البقرة من الآية: (١٤٤).
(٥) في (أ) "أتى".
(٦) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٨.
(٧) محمد بن أحمد بن أبي سهل؛ أبو بكر؛ السرخسي من أهل سرخس بلدة في خراسان. ويلقب بشمس الأئمة. كان إمامًا في فقه الحنفية، وعلامة حجة متكلمًا ناظرًا أصوليًّا مجتهدًا في المسائل. أخذ عن الحلواني وغيره. سجن في جب بسبب نصحه لبعض الأمراء، وأملى كثيرًا من كتبه على أصحابه وهو في السجن، أملاها من حفظه، توفي سنة ٤٨٣ هـ. من تصانيفه: «المبسوط» في شرح كتب ظاهر الرواية في الفقه؛ و «الأصول» في أصول الفقه، «شرح السير الكبير» للإمام محمد بن الحسن. ينظر: الفوائد البهية: ص ١٥٨؛ الجواهر المضية: ٢/ ٢٨، الأعلام للزركلي: ٦/ ٢٠٨.
(٨) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٤٥.