للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضاء المريض (ومن أغمى عليه خمس صلوات أو دونها قضى) (١)، وقال الشافعي (٢) -رحمه الله-: (إذا كان في وقت صلاة كامل مغمًى عليه فلا قضاء عليه)؛ لأن وجوب القضاء يبتني على وجوب الأداء، وفرّق بين النوم والإغماء، وقال: لأنّ النوم عن اختيار منه -بخلاف الإغماء-، وإن كان أكثر من ذلك لم يقض.

وقال بشر (٣): عليه القضاء، وإن طالت مدة الإغماء؛ لأنّه مرض، فلا بأس للمرض في إسقاط أصل الصلاة، وقاس الإغماء بالنوم، ولكن استحسانًا لحديث علي - رضي الله عنه - (٤): «أنه أغمى عليه في أربع صلوات فقضاهنّ» (٥)، وعبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: «أغمى عليه في ثلاثة أيام فلم يقض الصلوات» (٦)، ولأن الإغماء إذا قصر فهو معتبر بما يقصر عادة، وهو النوم، فلا يسقط القضاء، وإذا طال كان معتبرًا بما يطول عادة، وهو الجنون والصغر، وفرق ما بين الطويل والقصير بالزيادة على يوم وليلة؛ ليدخل بها الصلوات في حدّ التكرار. كذا في «المبسوط» (٧).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٧٨.
(٢) ينظر: شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان ١/ ٣٠٨.
(٣) بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد، الكِندي. والكندي نسبة إلى كندة بكسر الكاف. قبيلة مشهورة باليمن. فقيه حنفي، قاضي العراق. وهو أحد أصحاب أبي يوسف خاصة، وعنه أخذ الفقه. سمع مالكا وحمادا بن زيد وغيرهما. روى عنه أحمد بن علي الأبار وأبو يعلى الموصلي وأبو القاسم البغوي وأبو العباس الثقفي وغيرهم. قال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: ثقة، وقال السلمي عن الدَّارقُطنيّ: ثقة. يُنْظَر: تاريخ بغداد ٧/ ٨٠، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء ١/ ٦٧٣، الجواهر المضية ١/ ١٦٦.
(٤) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو الحسن: أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين، وابن عم النبي وصهره، وأول الناس إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة، وربي في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه. وأقام علي بالكوفة إلى أن قتله عبد الرحمن بن ملجم غيلة في مؤامرة ١٧ رمضان سنة ٤٠ هـ. ينظر: التاريخ الكبير: ٦/ ٢٥٩، الإصابة في تمييز الصحابة: ٤/ ٥٦٤، الطبقات الكبرى: ٦/ ١٢.
(٥) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٣٨٨ - رقم ١٦٩٢)، والدارقطني في «سننه» (٢/ ٨١ - رقم ١) من حديث عمار بن ياسر ولفظه: «أغمي عليه في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأفاق نصف الليل فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء».
قال الزيلعي في (نصب الراية: ٢/ ١٧٧): قال البيهقي: قال الشافعي: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت، فمحمول على الاستحباب، وعليه إن رواية يزيد مولى عمار مجهول، والراوي عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، كان يحيى بن معين يضعفه. وكان يحيى بن سعيد. وعبد الرحمن بن مهدي لا يريان به بأسا، ولم يحتج به البخاري، انتهى. والرواية عن علي غريبة، وروى عبد الرزاق في «مصنفه» أخبرنا الثوري عن أبي ليلى عن نافع، أن ابن عمر أغمي عليه شهرًا، فلم يقض ما فاته، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى به، وروى إبراهيم الحربي في "أواخر كتابه غريب الحديث" ثنا أحمد بن يونس ثنا زائدة عن عبيد الله بن نافع، قال: أغمي على عبد الله بن عمر يوما وليلة، فأفاق، فلم يقض ما فاته، واستقبل، انتهى. وروى محمد بن الحسن في كتابه "الآثار" أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن سليمان عن إبراهيم النخعي عن ابن عمر، أنه قال في الذي يغمى عليه يوما وليلة، قال: يقضي، انتهى. حديث احتج به الشافعي. ومالك على سقوط الصلاة بالإغماء، قلت، أو كثرت، أخرجه الدارقطني عن الحكم بن عبد الله بن سعيد الأيلي أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حدثه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يغمى عليه، فيترك الصلاة، فقال: "ليس لشيء من ذلك قضاء، إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة، فيفيق فيه، فإنه يصليه"، وهو ضعيف جدًّا، قال أحمد، في الحكم بن سعيد الأيلي: أحاديثه موضوعة، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقال ابن معين: ليس بثقة، ولا مأمون، وكذبه الجوزجاني. وأبو حاتم، وتركه النسائي. وابن الجنيد. والدارقطني، وقال البخاري: تركوه، وبقية السند كله إلى الحكم مظلم، وقالت الحنابلة: يقضي ما فاته من الصلاة، قلت، أو كثرت، ولا تسقط، وتوسط أصحابنا، فقالوا: يسقط ما زاد على يوم وليلة، سوى ما دون ذلك، والله أعلم.
(٦) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٣٨٧ - رقم ١٦٨٨)، والدراقطني في «سننه» (٢/ ٨٢ - رقم ٤)، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار» (٢/ ٢١٩)، وقال: قال الشافعي: كان ابن عمر يرى فيما يرى - والله أعلم -، أن الصلاة مرفوعة عن المغمى عليه لأنه روي أنه أغمي عليه يومًا وليلة، فلم يقض شيئًا، ولم يرو عنه أنه قال: من أغمي عليه لا يقض.
(٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٣٩٩.