للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: في هذا إشارة إلى أن التكبير ليس بواجب؛ بل هو سُنة لما أنّه اعتبر فيه بسجدة الصلاة، والتكبير فيها سُنة وليس بواجب؛ فكذا في هذا؛ وأيّده ما ذكره فيه في «المحيط» (١)، فقال: وروى الحسن عن أبي حنيفة -رحمه الله-: أنه لا يكبّر عند الانحطاط؛ لأن تكبير الانتقال من الركن، وعند الانحطاط هاهنا لا ينتقل من الركن.

قوله: (ولم يرفع يديه) احتراز عن قول الشافعي -رحمه الله- (٢)، فإن صفتها عنده أن يسجد سجدة واحدة، فيكبّر رافعًا يديه ناويًا، ثم يكبّر للسجود ولا يرفع يديه، ثم يكبّر للرفع ويسلّم، وأقلّها وضع الجبهة على الأرض بلا شروع ولا سلام. كذا في «الخلاصة الغزالية» (٣).

وذكر في «المبسوط» (٤): ولم يذكر ماذا يقول في سجوده، ثم قال: والأصح أن يقول من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة، وبعض المتأخرين استحسنوا أن يقول فيها: {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} (٥)، واستحسنوا أيضًا أن يقوم فيسجد؛ لأن الخرور سقوط من القيام، والقرآن ورد به، وإن لم يفعل لم يضره.

وفي «المحيط» (٦): وإن لم يذكر فيها شيئًا أجزأه؛ لأنها (٧) لا يكون أقوى من السجدة الصلاتية، وهناك جائز بدونه فهنا أولى.

قوله: (ولا تشهُّد عليه ولا سلام) (٨) نفي لقول بعض أصحاب الشافعي، [فإنّهم يقولون بهما، فقال شيخ الإسلام في «المبسوط»: ومن أصحاب الشافعي] (٩) من لم يأخذ بما قاله الشافعي، لكن قال فيها: تشهد وتسليم؛ لأنه شرط التحريمة، وهو يستدعي سبق التحريمة، وهي معدومة (١٠).

فإن قلت: كيف يكون التحريمة معدومة وقد ذكر في أول هذه المسألة ومن أراد السجود كبّر والتكبير للتحريمة كما في الشروع في الصلاة؟

[١٣٥/ أ] قلت: ذكرت آنفًا أن ذلك التكبير لا للتحريمة، بل لمشابهة هذه السجدة بسجدة الصلاة، والتكبير فيها ليس للتحريمة، بل للانتقال إلى السجود، فكذا هنا؛ لأنه يشبه الاستنكاف عن آية السجدة والاستنكاف/ عنها كفر، وما يشبه (١١) صورة كان مكروهًا لا محالة؛ ولأن فيه ترك سنة القراءة، فإن السُّنة فيها أن يقرأ السورة على نحوها، قال - صلى الله عليه وسلم - لبلال - رضي الله عنه - (١٢): «إذا قرأت سورة فاقرأها على نحوها» (١٣)، وخلاف السنة مكروه. كذا في «المحيط» (١٤).


(١) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٥٤.
(٢) ينظر: العزيز شرح الوجيز - الرافعي ٤/ ١٩٨.
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٢٦.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٦.
(٥) سورة الإسراء من الآية: (١٠٨).
(٦) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٥٤.
(٧) في (ب): "لأنه".
(٨) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٧٩.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٢٦.
(١١) في (ب): "يشبهه".
(١٢) بلال بن رباح الحبشي، أبو عبد الله: مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. من مولدي السراة، وأحد السابقين للإسلام. توفي في دمشق سنة ٢٠ هـ، روى له البخاري ومسلم ٤٤ حديثًا. ينظر: الثقات لابن حبان: ٣/ ٢٨، الإصابة في تمييز الصحابة: ١/ ٣٢٦، تهذيب الكمال: ٤/ ٢٨٨.
(١٣) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢/ ٤٣٠ – رقم ٢٣٠٤)، مطولًا، وقال: هكذا روى الحليمي هذا الحديث، والحديث عندنا في قصة أبي بكر من حديث عبد الله بن رباح عن أبي قتادة: وفي قصتها و قصة بلال من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة غير أنه قال: في حديث محمد بن عمرو: وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة قال: كلام طيب يجمعه الله عز وجل إلى بعض، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كلكم قد أصاب» هكذا، والحديث مرسل عن سعيد بن المسيب، ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٢/ ٣٢٤).
(١٤) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٧٤.