للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٣٨/ أ] (وعند زفر يصح في الوجهين) (١) أي: في محاصرة أهل الحرب، وفي محاصرة أهل البغي (٢).

(وعند أبي يوسف يصحّ إذا كان (٣) في بيوت المدر (٤)، وفرق أبو يوسف -رحمه الله- بين الأبنية والأخبئة، والفرق: أن البناء موضع الإقامة، والقرار دون الصحراء، وإن حاصروا أهل أخبئة، وفساطيط لم يصيروا مقيمين سواء نزلوا بساحتهم، أو في أخبئتهم وخيامهم، ونووا الإقامة فيها بالإجماع؛ لأنّ هذا لا يُعدّ للإقامة، ألا ترى أنهم يحملونها على الدّواب حيث ما قصدوا، ويستخفونها يوم ظعنهم، ويوم إقامتهم، فإذا هي حمولة وليست بمنازل (٥).

قال شمس الأئمة الحلواني: وهكذا عسكر المسلمين إذا قصدوا موضعًا، ومعم أخبئتهم، وخيامهم، وفساطيطهم، فنزلوا مفازة، ونصبوا الأخبئة والفساطيط، وعزموا فيها على إقامة خمسة عشر يومًا لم يصيروا مقيمين لما بيّنا أنّها حمولة، وليست بمساكن (٦). كذا في «المحيط» (٧).

قوله -رحمه الله-: (قيل: لا يصحّ) (٨)، ذكر في «المبسوط» (٩): اختلف المتأخرون في الذين يسكنون الأخبية في دار الإسلام كالأعراب والأتراك، فمنهم من يقول: لا يكونون مقيمين أبدًا؛ لأنهم ليسوا في موضع الإقامة، والأصح أنّهم مقيمون، وعلّل فيه بوجهين:

أحدهما: أنّ الإقامة للمرء أصل، والسّفر عارض، فحمل حالهم على الأصل أولى.

والثاني: أنّ السّفر إنما يكون عند النيّة إلى مكان إليه مدّة السّفر، وهم لا ينوون السّفر قط، وإنّما ينتقلون من ماء إلى ماء، ومن مَرْعى إلى مرعى، فكانوا مقيمين باعتبار الأصل.

(وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت [أتم] (١٠) أربعًا) (١١) وحاصله: أنّه ليس للمسافر أن يقتدي بالمقيم بعد فوات الوقت، وللمقيم أن يقتدي بالمسافر في الوقت، وبعد فواته (١٢)، أمّا [في] (١٣) الوقت، فلأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - جوّز اقتداء أهل مكة بعرفات حتى (١٤) قال: «أتموا صلاتكم يا أهل مكة، فإنا قوم سفر» (١٥)، وكذلك بعد فوات الوقت؛ لأنّ فرض المقيم لا يتغيّر بالاقتداء، وأمّا اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت، فيجوز، ويتغيّر فرضه، هكذا روي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وبعد فوات الوقت لا يصح اقتداءه؛ لأنّ فرضه لا يتغير بالاقتداء، فإنّ المغيّر للفرض، أمّا نيّة الإقامة والاقتداء بالمقيم، ثم الفرض بعد خروج الوقت لا يتغيّر بنيّة الإقامة، فكذا بالاقتداء بالمقيم، وإذا لم يتغيّر فرضه كان هذا عقدًا لا يفيد موجبه، فلو صلّى ركعتين [وسلم] (١٦) كان قد فرغ قبل إمامه، وإن أتمّ أربعًا كان خالطًا النفل بالمكتوبة قصدًا، وذلك لا يجوز، ثم القعدة الأولى نفل في حق الإمام فرض في حقه، واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز. كذا في «المبسوط» (١٧).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٧.
(٣) في (ب): "كانوا".
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٣٧.
(٦) في (ب): "بمنازل".
(٧) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٨٩.
(٨) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٩) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٥٦.
(١٠) [ساقط] من (ب).
(١١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(١٢) في (ب): "فوات الوقت".
(١٣) [ساقط] من (ب).
(١٤) في (ب): "حيث".
(١٥) أخرجه أبو داود في «سننه» (١/ ٤٧٥)، كتاب صلاة السفر، باب متى يتم المسافر، رقم (١٢٣١)، وفيه: «يا أهل البلد صلوا أربعًا، فإنا قوم سفر». قال الألباني (الجامع الصغير وزيادته: ص ١٤٥٢): ضعيف. وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١٨/ ٢٠٩ - رقم ١٥٢٢٧)، والطيالسي في «مسنده» (١/ ١١٣ - رقم ٨٤٠). من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-. قال ابن حجر في (الفتح: ٢/ ٥٦٣): الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.
(١٦) [ساقط] من (ب).
(١٧) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٤٧.