للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله- (لأنه مقتد تحريمه لا فعلًا والفرض صار مؤدًّى فيتركها احتياطًا ومعنى هذا الكلام) (١) أي: أنّه مقتد من وجه دون وجه؛ لأنّه مقتد من حيث التحريمة، وليس بمقتد من حيث الفعل، ثم بالنظر إلى كونه مقتديًا يحرم القراءة عليه، وبالنظر إلى كونه منفردًا يستحب القراءة عليه؛ لأن الكلام في الركعتين الأخريين بعد أداء [فرض] (٢) القراءة في الأوليين، وحينئذٍ دار حكم القراءة بين كونه حرامًا، وبين كونه مستحبًّا، فكان الاحتياط في الترك بخلاف المسبوق، فإن حكم قراءته دار بين الفرض والبدعة، فكان الواجب عليه الإتيان بها؛ لأنّ فرض القراءة لم يصر مؤدّي في حقه، وترك الفرض مفسد للصلاة، ثم ذكر لفظ الأولى في قوله: فكان الإتيان أولى مع أنّ القراءة فرض عليه بمقابلة ما ذكر أولًا من قراءة المقيمين بعد فراغ إمامهم المسافر لا بالنظر إلى نفسه (٣).

(ويستحب للإمام إذا سلّم أن يقول لهم: أتمّوا صلاتكم، فإنا قوم سفر) (٤) أي: مسافرون جمع سافر كركب، وصحب في راكب وصاحب.

[١٣٩/ أ] فإن قلت: هذه الرواية مخالفة لما ذكر في «فتاوى قاضي خان»، وغيره حيث قال: إذا اقتدى بإمام لا يدري أنه مقيم أو مسافر قالوا: لا يصح اقتداؤه؛ لأنّ العلم بحال الإمام شرط أداء الصلاة بالجماعة ذكره في فصل فيمن يصح الاقتداء به، وفيمن لا يصحّ، ورواية الكتاب تدلّ (٥) على أنه يصح الاقتداء بإمام، وإن لم يُعرف بحاله أنه مسافر، أو مقيم؛ لأنّهم إذا كانوا عالمين بأنه مسافر كان قول الإمام: أتمّوا صلاتكم، فإنّا قوم سفر عبثًا؛ لاشتغاله بما لا يفيد، وإن كانوا عالمين بأنّه مقيم كان هذا القول منه كذبًا عندهم، فتعين/ بهذا أنه إنما يقول فيما إذا لم يعلموا بحاله، فما وجه التوفيق بين الروايتين؟

قلت: تلك الرواية محمولة على ما إذا بنوا أمر الإمام على ظاهر حال الإقامة، والحال أنّه ليس بمقيم وسلّم على رأس الركعتين، وتفرّقوا على ذلك؛ [لاعتقادهم فساد صلاة الإمام] (٦)، وأمّا إذا علموا بعد الصلاة بحال الإمام كان اقتداؤهم به جائزًا، وإن يعلموا بحاله وقت الاقتداء به (٧)، والدليل عليه ما ذكر في آخر باب صلاة المسافرين من نوادر صلاة «المبسوط» (٨)، فقال: رجل صلى بالقوم الظهر ركعتين في مصر أو قرية، وهم لا يدرون أمسافر هو أم مقيم؟ فصلاة القوم فاسدة سواء كانوا مقيمين أو مسافرين؛ لأنّ الظاهر من حال من كان في موضع الإقامة أنّه مقيم، والبناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه، ألا ترى أن من كان في دار الحرب إذا لم يعرف حاله [يجعل من أهل دار الحرب، بخلاف من كان في دار الإسلام فإنّه يجعل من المسلمين إذا لم يعرف حاله] (٩)، وإذا كان هذا الإمام مقيمًا باعتبار الظاهر فسدت صلاته، وصلاة جميع القوم حين سلّم على رأس الركعتين وذهب، فإن سألوه فأخبرهم أنّه مسافر جازت صلاة القوم إن كانوا مسافرين أو مقيمين، فأتّموا صلاتهم بعد فراغه؛ لأنّه أخبر بما هو من أمور الدين فيما لو يُعرف إلا من جهته، فيجب قبول خبره في ذلك. كذا في «المبسوط» (١٠).


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٤٠.
(٤) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٥) في (ب): "يستدل".
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٤٠، ٤١.
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٩٧.
(٩) [ساقط] من (ب).
(١٠) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ١٩٧.