للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله -رحمه الله-: (لأن السّفر لا يُعرَّى عنه) (١) أي: عن قليل اللبث، وهذا مدلول معنى، وليس بمذكور لفظًا (٢)، فوجه هذا ما ذكره في «المبسوط» (٣)، وقال: لأن نية الإقامة ما يكون في موضع واحد فإن الإقامة ضدّ السفر، والانتقال من الأرض إلى الأرض يكون ضربًا في الأرض، ولا يكون إقامة، فلو جوّزنا نيّة الإقامة في موضعين جوّزنا فيما زاد على ذلك، فيؤدي إلى القول بأنّ السّفر لا يتحقق؛ لأنك إذا جمعت إقامة المسافر في المراحل ربّما يزيد ذلك على خمسة عشر يومًا؛ لأن إقامة المرء تضاف إلى مبيته، ألا ترى أنك إذا قلت للسوقي: أين تسكن؟ يقول: في محلة كذا، وهو بالنهار يكون في السوق، وكان سبب تفقه عيسى بن أبان (٤) هذه المسألة، فإنّه كان مشغولًا بطلب الحديث، قال: فدخلت مكة في أوّل العشر من ذي الحجة مع صاحب لي وعزمت على الإقامة [شهرًا] (٥) فجعلت أتم الصلاة، فلقيني بعض أصحاب أبي حنيفة -رحمه الله- فقال: أخطأت، فإنّك تخرج إلى منى وعرفات، فلما رجعت من منى بدا لصاحبي أن يخرج، وعزمت على أنّ أصاحبه، فجعلت أقصر الصلاة، فقال لي صاحب أبي حنيفة: أخطأت، فإنك مقيم (٦) بمكة، فما لم تخرج منها لا تكون مسافرًا، فقلت: أخطأت في مسألة في موضعين، ولم ينفعني ما جمعت (٧) من الأخبار، فدخلت مجلس محمد، واشتغلت بالفقه.

كذا في «المبسوط» (٨).

(والمعتبر في ذلك آخر الوقت؛ لأنّه المعتبر في السببية عند عدم الأداء) (٩)، أي: لأنّ آخر [الوقت] (١٠) هو المعتبر في السببية.


(١) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٤٤، ٤٥.
(٣) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٤، ٤٣٥.
(٤) عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، من أهل بغداد. فقيه وأصولي حنفي. تفقّه على محمد بن الحسن، ولزمه لزومًا شديدًا، وتفقه عليه القاضي عبد الحميد أستاذ الطحاوي، كان حسن الحفظ للحديث، ولي القضاء فلم يزل عليه حتى مات. شهد له هلال بن يحيى بالفضل قائلًا: ما ولي البصرة منذ كان الإسلام إلى وقتنا هذا قاض أفقه من عيسى بن أبان. من تصانيفه: "كتاب العلل" في الفقه، و"كتاب الشهادات"، و"كتاب الحج". ينظر: الجواهر المضية: ١/ ٤٠١، الفوائد البهية: ص ١٥١، معجم المؤلفين ٨/ ١٨.
(٥) [ساقط] من (أ).
(٦) في (ب): "معهم".
(٧) في (ب): "بي".
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٤، ٤٣٥.
(٩) ينظر: الهداية شرح البداية: ١/ ٨١.
(١٠) [ساقط] من (أ).