للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه أيضًا: ثم وجوب صلاة السّفر على من سافر في آخر الوقت مذهبنا، وقال ابن شجاع (١): يصلي صلاة المقيم، وقال الشافعي (٢) -رحمه الله-: إذا مضى من الوقت مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات، ثم خرج مسافرًا صلّى أربعًا، وهو بناء على أنّ وجوب الصلاة عندهما بأوّل الوقت، فإذا كان مقيمًا في أوّل الوقت وجبت عليه صلاة المقيمين، فلا يسقط ذلك بالسّفر، وعندنا الوجوب متعلّق بآخر الوقت؛ لأنّه مخيّر (٣) في أوّل الوقت بين الأداء، والتأخير، والوجوب ينفي التخيير، والتخيير ينفي الوجوب، ولو مات في الوقت لقي الله تعالى ولا شيء عليه، فدلّ أن الوجوب يتعلق بآخر الوقت، فإذا كان مسافرًا في آخر الوقت كان عليه صلاة السّفر (٤).

وقال زفر (٥): إذا خرج مسافرًا، وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكنه أن يصلى فيه صلاة السفر يصلي صلاة السّفر، وإن كان الباقي من الوقت دون ذلك صلى صلاة المقيم؛ لأنّ التأخير لا يسعه إلى وقت لا يتمكن [من] (٦) أداء الصلاة فيه في الوقت، ولكنّا نقول: جزء من الوقت بمنزلة جميعه. ألا ترى أن إدراك جزء من الوقت، وإن قلّ سبب لوجوب الصلاة، فوجود السّفر في ذلك الجزء كوجوده في جميع الوقت، والدليل عليه: أن الصلاة لا تصير دينًا في ذمّته إلا بخروج الوقت، فإذا صار مسافرًا قبل أن يصير [دينًا في ذمته صلّى صلاة المسافر، وإذا صارت دينًا في ذمّته بخروج الوقت قبل أن يصير] (٧) مسافرًا لا يتغيّر ذلك بالسّفر، ويعتبر جانب السّفر بجانب الإقامة، فإنّه لو دخل مصره قبل فوت الوقت صلّى صلاة المقيمين، وإن كان الباقي من الوقت شيئًا يسيرًا، فكذلك في جانب السّفر (٨).


(١) محمد بن شجاع الثلجي، ويقال: ابن الثلجي، أبو عبد الله، البغدادي، الحنفي، من أصحاب الحسن بن زياد، فقيه أهل العراق في وقته، والمقدم في الفقه، والحديث، وقراءة القرآن. روى عن يحيى بن آدم، ووكيع، وابن عُليَّة، وقرأ على اليزيدي. له ميل إلى مذهب المعتزلة. من تصانيفه: "المناسك"، و"تصحيح الآثار"، و"النوادر"، و"كتاب المضاربة". ينظر: الجواهر المضية: ٢/ ٦٠، الفوائد البهية: ص ١٧١، شذرات الذهب: ٢/ ١٥١.
(٢) ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: ٢/ ٣٧٦.
(٣) في (ب): "يتخير".
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٥.
(٥) سبق ترجمته (ص ٦٣).
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) [ساقط] من (ب).
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي: ١/ ٤٣٦، ٤٣٧.