للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر شيخ الإسلام: قول الشافعي مثل قول زفر -رحمه الله-، فقال: وقال الشافعي (١): إن سافر في آخر الوقت نظر إن بقي من الوقت مقدار ما لا يسع لأداء أربع [ركعات] (٢)، فإنّه يصلي صلاة المقيم (٣).

[١٤١/ أ] وذكر في «الخلاصة الغزالية» ما يوافق ما ذكره شيخ الإسلام، وعلى قولنا: إذا بقي من الوقت مقدار ما يسع للتحريمة فسافر، فإنّه يصلي صلاة المسافر، وحاصل الخلاف يرجع إلى أن سبب الوجوب عنده جزء من الوقت القائم/ مقدار ما يسع لأداء الصلاة كلها، وعندنا سبب الوجوب جزء قائم يسع للتحريمة، وعلى هذا الأصل هذا الخلف (٤)، والثاني: أنّ الكافر إذا أسلم في آخر الوقت، وقد بقي من الوقت ما يسع للتحريمة، فإنه يلزمه الصلاة عندنا، وعند الشافعي لا يلزمه إلا أن يكون الباقي ما يسع لأداء الصلاة كلها، وعلى هذا بلوغ الصبي، وطهارة الحائض، واحتج علماؤنا بأنّه أدرك من الوقت ما يصلح سببًا لوجوب الأداء، فيلزمه الصلاة، أو يتغيّر فرضه متى سافر قياسًا على ما لو أدرك من الوقت مقدار ما يسع للأداء؛ وذلك لأنّه لما كان قادرًا على أداء التكبير في الوقت لزمه أداء التكبيرة، وإذا لزمه ذلك يلزمه الباقي؛ لأنه لا صحّة للتكبيرة إلا بالباقي، فيلزمه الباقي ضرورة كمن نذر بالصلاة لزمه الطهارة، وجميع الشرائط ضرورة، وهذا بخلاف ما لو أسلم في رمضان بعد طلوع الفجر، فإنه لا يلزمه القضاء لما أن القضاء يبتني على الأداء، فمتى وجب عليه الأداء لزمه القضاء، وفي باب الصوم لم يجب عليه الأداء لا كله ولا بعضه؛ لأنّ ما قدر عليه لا يتصوّر قربة بدون ما مضى، وإذا لم يتصوّر قربة بدون ما مضى لم (٥) يجب عليه، وإذا لم يجب عليه شيء من الأداء لم يلزمه القضاء، فأمّا هاهنا ما قدر عليه من التحريمة قربة في نفسها، وقد أمكنه إتمامها بالباقي فيلزمه، فالشافعي -رحمه الله- نظر إلى ما عجز عن أدائه في الوقت، فقال: ما عجز عن أدائه في الوقت ساقط عنه، وإذا سقط ما عجز عن أدائه في الوقت سقط ما قدر عليه؛ لأنّه بدون ذلك لا يكون قربة كما قال فيمن شرع في التطوّع لا يلزمه المضيّ؛ لأن ما لم يشرع لم يجب عليه، وما شرع فيه لا يكون قربة بدونه، فلا يلزمه الإيفاء بالمضي، وعلماؤنا نظروا إلى ما قدر عليه، فقالوا: ما قدر عليه من الأداء في الوقت يجب عليه؛ لقدرته (٦) على الأداء في الوقت، وإذا لزمه ذلك، ولا صحة له إلا بالباقي لزمه، كما قالوا فيمن شرع في التطوّع لزمه المضي؛ لأنّه لزمه ما شرع فيه؛ لوجود سبب الوجوب، وهو المباشر له، فلزمه الباقي؛ لأنه لا يبقى صحيحًا إلا بالباقي، فكان فيما قلنا عمل بالاحتياط، لإيجاب العبادة (٧).


(١) ينظر: الحاوي في فقه الشافعي: ٢/ ٣٢.
(٢) [ساقط] من (ب).
(٣) ينظر: شرح فتح القدير: ٢/ ٤٦.
(٤) في (ب): "الخلاف".
(٥) في (ب): "لا".
(٦) في (ب): "بقدرته".
(٧) ينظر: العناية شرح الهداية ٤٥، ٤٦، والمحيط البرهاني: ٢/ ٣٢.