للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٤٨/ أ] قلت: وجهه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالخروج إلى المصلى من الغد لأجل صلاة العيد بعد شهادة الشهود، ولو جاز الأداء بعد الزوال لم يكن للتأخير معنى؛ إذ لا يجوز تأخيرها بدون العذر السماوي، ولا عذر هاهنا يجوّز التأخير سوى أنّه خرج الوقت، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس لأمر بنية الخلفاء؛ وذلك لأن الولاية لما انتقلت إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول: (جدّهم)، وكتبوا في مناشيرهم ذلك، وهو تأويل ما/ روي عن أبي يوسف: أنه قدم بغداد فصلّى بالناس صلاة العيد، وخلفه هارون الرشيد (١)، وكبّر تكبير ابن عباس، وكذا رُوي عن محمد هكذا، فتأويله أنّ هارون أمرهما أن يكبّرا تكبير جدّه ففعلا ذلك امتثالًا لأمره لا مذهبًا، واعتقادًا. كذا في «المبسوط» (٢)، و «المحيط» (٣).

وأمّا المذهب فالقول الأول، وهو قول ابن مسعود فكان قوله مخالفًا لقول ابن عباس في العدد، وفي الموضع على ما هو المذكور [في الكتاب] (٤)، وحاصله أن الزوائد عندنا ثلاث ثلاث، والموالاة في القراءة خلافًا له، وإنما قلنا بالموالاة بين القراءتين؛ لأن التكبيرات يؤتى بها عقيب تكبيرة الافتتاح، وفي الثانية عقيب القراءة. كذا في «المبسوط» (٥).

وذكر في «الإيضاح» (٦): وإنّما قلنا بالموالاة بين القراءتين؛ لأن التكبير من باب الثناء، والثناء في الركعة الأولى حيث شُرع مقدّمًا على القراءة كالاستفتاح، وفي الركعة الثانية حيث شرع مؤخرًا عن القراءة كقنوت الوتر فألحقنا التكبيرة به فصارت التكبيرات عنده خمسة عشر أو ستة عشر؛ وذلك لأنه روي عن ابن عباس روايتان في رواية: «اثنتا عشرة تكبيرة» (٧)، وفي رواية: «ثلاث عشرة تكبيرة» (٨)، فحمل الشافعي الكل على الزوائد، ثم ألحق الأصليات بها، فصارت خمسة عشر أو ستة عشر (٩).


(١) هارون الرشيد ابن محمد المهدي ابن المنصور العباسي، أبو جعفر: خامس خلفاء الدولة العباسية في العراق، وأشهرهم. ولد بالري سنة ١٤٩ هـ، وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الهادي، وازدهرت الدولة في أيامه. وكان الرشيد عالمًا بالأدب وأخبار العرب والحديث والفقه، فصيحًا، شجاعًا كثير الغزوات، يلقب بجبار بني العباس، يحج سنة ويغزو سنة، توفي في سناباذ سنة ١٩٣ هـ، وبها قبره. (الأعلام للزركلي: ٨/ ٦٢).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٦٩.
(٣) ينظر: المحيط البرهاني: ٢/ ٢٠٢.
(٤) [ساقط] من (ب).
(٥) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٦٩.
(٦) ينظر: نور الإيضاح: ص ٨٥.
(٧) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٣/ ٢٨٨ – رقم ٥٩٧٥).
(٨) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١/ ٤٩٤ – رقم ٥٧٠١).
(٩) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٧٧.