للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: هذا التأويل لا يصح لوجهين:

أحدهما: أنه ذكر روايتي ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: وقال: "ابن عباس يكبر في الأولى للافتتاح، وخمسًا بعدها، وفي الثانية يكبّر خمسًا"، وفي رواية: "يكبّر أربعًا" (١)، ثم ذكر بعد هذا بخطوط، والشافعي أخذ بقول ابن عباس إلا أنه حمل المروي على الزوائد، فكان حرف التعريف في المروي للمعهود لا محالة لتقدّم ذكر ما رُوي، وإلا يلزم فكّ النظم والتنافر في الكلام، ولا يظن المصنف مثل هذا مع وفور فضله، فلابدّ أن يردّ إلى المروي المذكور، والمروي المذكور ليس كما ذكرت، فإنّ الزوئد فيه عشرة أو تسعة، وبالأصليات يكون ثلاث عشرة أو اثتني عشرة.

والثاني: أنه ذكر، وظهر عمل العامة اليوم بقول ابن عباس، وهو قول الشافعي -رحمه الله-، وليس أحد يعمل بعمل اليوم بهذا القول الذي ذكره الشافعي، وهو أن التكبيرات عنده خمس عشرة أو ست عشرة، وعلى قود كلامه يجب أن يكون كلاهما أو أحدهما معمولًا، وليس كذلك فلابدّ من تأويل سوى هذا (٢)، فما وجهه؟

قلت: أخذ المصنف قوله: (وخمسًا بعدها)، وفي الثانية يكبّر خمسًا من لفظ (٣) «المبسوط»، إلا أنه ذكر في «المبسوط» (٤) روايتي ابن عباس كما ذكرناه، وقال: والمشهور عنه روايتان:

إحديهما: أنّه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة: تكبيرة للافتتاح، وتكبيرة الركوع، وعشر زوائد: خمس في الأولى، وخمس في الثانية، وفي الرواية الأخرى: ثنتا عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح، وتكبيرتا الركوع، وتسع زوائد خمس في الأولى، وأربع في الثانية، فعلى هذا كان قوله إلا أنّه حمل المروي منصرفًا إلى المذكور قبله، وهو قوله: خمسًا، وفي رواية: يكبّر أربعًا، ولكن مع انضمام ثلاث تكبيرات سوى المذكور، وهو تكبيرة الافتتاح، وتكبيرتا الركوع إليه، وجعل هو كله زوائد، كما ذكرنا (٥) عملًا بظاهر لفظ الرواة أنّ ابن عباس يكبّر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة أو ثنتي عشرة تكبيرة، فبعد ذلك ضم إلى هذين المرويين ثلاث تكبيرات أصليات، فيصير المجموع حينئذٍ ست عشرة تكبيرة أو خمس عشرة تكبيرة، والدليل على أنّه حمل ما روي عن ابن عباس إلى (٦) الزوائد ما ذكر في «الخلاصة الغزالية»، وهو قوله: ويصلي الإمام ركعتين يكبّر في الأولى سوى تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الهوى سبع تكبيرات بين كل تكبيرتين سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقرأ: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ} (٧) عقيب تكبيرة الافتتاح، ويؤخر الاستعاذة إلى ما، وراء الثامنة، ويقرأ في الأولى: فإن {اقْتَرَبَتِ} (٨) في الثانية، والتكبيرات الزائدة في الثانية خمس سوى تكبيرة القيام، والركوع فكانت الزوائد على رواية «الخلاصة الغزالية» ثنتي عشرة تكبيرة، فإذا ضممت الأصليات الثلاث إليها صارت خمس عشرة، وإذا ضممت إليها تكبيرة القيام في الثانية كما ذكر في «الخلاصة» صارت ست عشرة.


(١) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (٣/ ٤٧٠ – رقم ٦٣٦٢).
(٢) ينظر: العناية شرح الهداية ٢/ ٧٦، ٧٧.
(٣) في (ب) لفظ.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي: ٢/ ٦٨.
(٥) في (ب): "ذكره".
(٦) في (ب): "على".
(٧) سورة الأنعام من الآية: (٧٩).
(٨) سورة القمر من الآية: (١).